يعيش العالم ورطة الحرب الروسية الأوكرانية منذ حوالي عام، دون أي بوادر أمل على انتهاء هذه الحرب في المستقبل القريب، بسبب الدعم العسكري الغربي المستمر لأوكرانيا بهدف استنزاف روسيا.. وفى المقابل تعمل روسيا على تحقيق أهدافها الاستراتيجية من هذه العملية العسكرية بسبب تراجع أوكرانيا عن اتفاقها مع روسيا بشأن انضمامها إلى حلف النيتو وتهديد الأمن القوى الروسي، وهناك انقسام دولي واضح حول هذه الحرب التي أربكت العالم اقتصاديًا وسياسيًا، وأدت إلى نتائج اقتصادية كارثية في بعض دول العالم بسبب تأثيرها المباشر على الطاقة والغذاء التي لا تستقيم الحياة بدونهما.
ومعروف أن كلا البلدين من أكبر منتجي ومصدري الطاقة والغذاء، وكانت معظم دول أوروبا تعتمد في مواردها من الطاقة على روسيا، وتضررت الاقتصاديات الأوروبية بشدة من هذه الحرب وتوقفت بعض الصناعات وارتفعت أسعار صناعات أخرى نتيجة أزمة الطاقة. كما عانت دول كثيرة من أزمة الغذاء على اعتبار أن كلا البلدين من أكبر مصدري القمح وغيرها من المواد الغذائية، وتركت آثار سلبية على العالم.
الحقيقة أن هذا الحرب لها جانب آخر وهو إعادة رسم خريطة العالم السياسية على غرار ما حدث بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 وانتهاء فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، ليعيش العالم بعدها وحتى الآن نظام القطب الواحد تحت الهيمنة الأمريكية.
إلا أن التغيرات التي طرأت على العالم وتحديدًا في المعسكر الشرقي جعلت كثيرًا من الدول تتململ من نظام القطب الواحد وسياسات الولايات المتحدة، والسعي إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، خاصة أن روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي وأكبر دول العالم مساحة، وثاني أكبر قوة عسكرية، قد استطاعت خلال العقدين الماضيين تحقيق نمو اقتصادي كبير وأيضاً موارد الطاقة.
كما حققت الصين تحولًا اقتصاديًا غير مسبوق جعلها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وحققت طفرة كبيرة في التصنيع العسكري لتنضم إلى القوى الكبرى عسكريًا وتجاريًا، كما صعدت دول أخرى مثل الهند وغيرها من دول آسيا التي باتت نمورًا اقتصادية بخلاف بعض الدول التي امتلكت السلاح النووي، وأصبحت ترفض الهيمنة الأمريكية، وتدعم التحول إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وهو ما يفسر أسباب استمرار هذه الحرب، ومساهمة الدول الأوروبية فيها التي ربما تكون أكبر الخاسرين منها.
مؤكدًا أن مصر قد تأثرت بشدة من هذه الحرب، خاصة أن وارداتها أكبر من صادراتها، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية، وتسبب في زيادة الأسعار بشكل كبير، وهو الأمر الذى جعل مصر تسابق الزمن في المشروعات القومية الكبرى لسد الفجوة الغذائية، وتحقيق التوازن بين الصادرات والواردات من خلال شراكات مع دول أخرى.
مما يفسر لنا أسباب جولة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى عدد من الدول الأسيوية، وعلى رأسها الهند برغم تعدادها السكاني الهائل استطاعت أن تكون واحدة من أكبر مراكز التكنولوجيا في العالم، وأيضاً الإنتاج الصناعي والزراعي وتصدير القمح والأرز لكثير من دول العالم.
ومن المؤكد أن الشراكة مع الهند له مردود إيجابي على الدولتين، خاصة أن هناك علاقات وطيدة مع الهند قبل أكثر من قرن عندما قاد الزعيم سعد زغلول الحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار البريطاني وتأثر به الزعيم غاندي، واستمرت هذه العلاقات في عهد الزعيمين عبدالناصر ونهرو وإنشاء حركة عدم الانحياز والآن يعيد السيسي هذه العلاقات لسابق عهدها في ظل عالم يتغير بسرعة وعمق.
حمى الله مصر
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية