«عِرف أزاي يفرق بينهم ويزرع في نفوسهم الكراهية والغيرة»، بهذه الكلمات تحكي لي صديقتي، عن تصرفات مديرها الذي يتبع سياسة «”فرق تَسُد»، اعتقادًا منه أنه بذلك يستحوذ على جميع العاملين لديه، ويسيطر عليهم، ويحركهم كيفما يشاء كأنهم عرائس مُتحركة «ماريونيت»، ولم يفكر في «أن من زرع حصد»، وأن الكل خاسر في هذه البيئة.
وتستكمل كلامها، بأنه نجح في نشر الفتن بينهم، ووصل إلى هدفه وأصبح مكتبه مكانا للشكوى وسرد قصص الصراع والفتن بينهم، وكل زميل يشكو الآخر، ويحاول أن يظهر أنه على حق، وهو يقف مُستمع، وقراره فقط ضد من لا يقدم له فروض الطاعة والولاء، مُستغلًا صراعهم مع بعضهم البعض، ولم يتوقف عن ذلك، بل اتبع خُطوات من الضغط النفسي، حيث الحرمان من المكافآت، وإلقاء اللوم والعتاب بشكل مُستمر، فضلًا عن الحرمان من أي تدريب.
وانتهى الأمر، أن أصبح يتحكم فيهم، ويستخدمهم لتنفيذ أغراضه وأهدافه، ونجح في أن يفقدوا الحب والود الذي كان بينهم، الكل يثور على الآخر وينتقده، لقد أصبحت بيئة العمل سامة ومُضرة لا يشعر فيها الجميع بالراحة والأمان الوظيفي الكل خائف، والناس دائمًا على حافة الهاوية.
يا للعجب! بدلًا من أن يصبح مكتب المدير مكانًا هادئًا لمُتابعة سير العمل، والتخطيط، والتطوير، وتحسين الأداء، أصبح مكانًا للشكوى والفتن، وأصبحت بيئة العمل متوترة، وبها الكثير من الضغط، يشعر العاملون فيها أنه يتعين عليهم أن يكونوا مثاليين طوال الوقت، دائمًا في حالة دفاع عن النفس.
أعرف أنه لا يوجد مكان عمل مثالي، لكن مكان العمل السام، الذي يتميز بالطعن في الظهر، والانتقاد وإلقاء اللوم، والثرثرة ونشر الأقاويل والشائعات، والتقليل من قدر الآخرين عمدًا، فضلًا عن الاهتمام بالمصالح الشخصية على حساب أهداف الفريق والشركة، له تأثير سلبي على رفاهية وصحة العاملين، ويلعب دورًا كبيرًا في انهيار الشركات والمُنظمات والمؤسسات، نتيجة الجو السلبي السائد في مكان العمل، والمُمارسات التي تؤذي أداء الشركة وتكبح الابتكار وتطوير الأفراد بها.
وأظهرت الدراسات الحديثة أن بيئة العمل السامة تعتبر السبب الأكثر شيوعًا وراء ترك الموظفين لوظائفهم، كما تؤدي إلى ارتفاع معدلات الغياب، وانخفاض الإنتاجية والروح المعنوية، وعدم الرضا والولاء، فضلًا عن غيب روح الفريق، وفقدان الحماس للعمل، وظهور بعض السلوكيات السيئة مثل التنمر، والنميمة، وافتعال الشائعات، والحسد، والحقد، وعدم التعاون، وغيرها من السلوكيات السلبية.
واستنادًا إلى ما سبق، فإن بيئة العمل السامة هي بيئة يجد فيها الموظفون صعوبة في العمل أو التقدم في حياتهم المهنية؛ بسبب الأجواء السلبية التي يخلقها زملاء العمل أو المشرفين أو ثقافة الشركة نفسها، ويعتبر الكل خاسرًا في هذه البيئة السامة، وعلى العكس من ذلك، فإنه وجود بيئة عمل إيجابية أمر أساسي لاستدامة العمل.
ويُشارك موقع شركة (Make Use Of) الكندية المتخصصة بمجال التكنولوجيا، ببعض الآليات التي يجب على العاملين اتباعها للتغلب على بيئة العمل السامة، ومنها ترك ضغوط العمل، وتجاربه السيئة التي مرت أثناء ساعات العمل، والتوقف عن الشكوى حوله وجعله محور الحديث مع الأهل والأصدقاء، والبحث عن قيمة ومعنى جديد في الحياة، مثل القيام ببعض الزيارات الاجتماعية والعائلية، ومساعدة الأخريين، وممارسة إحدى الهويات، كالقراءة، والكتابة، والرسم، وغيرها، كما يُمكن التعرف على زملاء عمل جُدد لديهم طاقات إيجابية أو تحسين المهارات الشخصية وإعادة تشكيلها، بما يُمكن من إيجاد وظيفة أفضل في مكان عمل آخر.
وأخيرًا، ينبغي أن يكون جزء من تقييم أداء المديرين مَبنيًّا على أساس قدرتهم في الحفاظ على العلاقات الإيجابية والداعمة التي تُعزز الاحترام والشعور بالعمل الجماعي، وقدرتهم على مُعالجة أي سلوكيات سامة بمجرد ظهورها داخل مكان العمل، كما يجب مُعاملة الموظفين على أنهم موارد ذات قيمة وليسوا عاملين يجب إدارتهم فقط.
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية