مر علينا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، استجابة لدعوة دعوناها لغيرنا ودعا بها غيرنا لنا، فلله الحمد والمنة على أننا نصوم رمضان هذا العام، ويا رب أعوامًا وأزمنة أخرى، ولكن السؤال الذي يجب ان نسأله لأنفسنا، ونطرحه عليكم ألم نتعلم شيئا من صيام رمضان؟ ففي كل عبادة لابد أن نتعلم أشياء وأشياء، ولا أنتظر إجابة من أحد، فكل يجب على نفسه بنفسه، فكل أدرى بنفسه من غيره، وبما أننا بصدد الحديث عن الصيام فإن مما يعلمنا الصيام هو قوة الإرادة واشتداد العزيمة، فالامتناع عن الحلال الذي في متناولك، هو قمة الإرادة، والابتعاد عن الشهوات يتطلب عزيمة فولاذية، وقلبًا عامرًا بالإيمان، وروحًا تملك التحدي للنفس الأمارة بالسوء، وما دمت قد صمت فما عليك إلا أن تكمل طريقك للوصول إلى مرتبة التقوى محل الخير كله، ومجمع النور في حياتك وطريقك الي الله.
وسأستعين بالرواتب التي وضعها أحمد علوان لتقوية الإرادة في رمضان، حيث يؤكد بداية أنه مما لا شك فيه أن الإرادة مرتبطة بالإيمان، فإذا قوِيَ إيمان المسلم قوِيَتْ إرادته؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]، وتقوية الإرادة لها عوامل:
التربية ومجاهدة النفس:
تعلَّمْ من رمضان التعود على العادات الحسنة؛ تعود على قراءة القرآن، والصيام، والدعاء، وقيام الليل، والتصدق على الفقراء، وصلة الأرحام، وكف الأذى، والإحسان إلى الناس، وكَظْم الغيظ، وكف اللسان.
المداومة على الطاعات:
فتلك وصية الله لحبيبه، حين قال: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بادِروا بالأعمال))، وكما قالت السيدة عائشة: (كان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدومها، وإن قَلَّ).
المسارعة وعدم التردد:
مِن أخلاق أصحاب الإرادة: أنهم يسارعون إلى الخيرات؛ قال ربنا: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 61].
وهذا واضح في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففي غزوة أُحُدٍ أشار على الصحابة في الخروج، فبعضهم قال بالخروج، وآخرون بعدم الخروج، فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي مَن قالوا بالخروج، فلبِس لَأْمَةَ الحرب، فجاءوه خشية أن يكونوا أكرهوا الرسول على الخروج، فقال لهم: ((إنه ليس لنبي إذا لبِس لَأْمَتَه أن يضَعَها حتى يقاتل)).
إن الصوم يربي في الصائم قوة الإرادة النابعة من إيمانه بالله تعالى، وإرادة امتثال أمره بالصوم؛ ابتغاء مرضاة الله؛ وطمعًا في نيل ثوابه الأخروي. فالصيام يدرِّب الصائم على ضبط النفس، والسيطرة عليها، والإمساك بزمامها حتى تنقاد بإذن الله إلى ما فيه خيرها وسعادتها، فإن النفس أمارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربي، فإذا أطلق المرء لنفسه عنانها أوقعته في المهالك، وإذا ملك أمرها وسيطر عليها تمكن من قيادتها إلى أعلى المراتب، وهذا لا يتحقق إلا لمن صام صومًا شرعيًّا مستشعرًا عبادة ربه بذلك، منتظرًا الثواب منه سبحانه.
والصائم الذي أرغم نفسه وحملها على أن تجتنب ما هو مباحٌ لها في الأصل، وسيطر على شهوات جسده، لقادرٌ بإذن الله على أن يجتنب ما حرم عليه من باب أولى في جميع أوقات العمر.
أيها الصائم، إذا أردت التغيير، فعليك بالإرادة، وإذا عزمت أن تحجز مكانًا لك في الجنة، فإنها الإرادة، وإذا هممت أن تعتق رقبتك من النار، فعانِقِ الإرادة.
فهي فرصة كبيرة لأن تجعل مِن رمضان انطلاقة بالإرادة والعزيمة، فانطلق نحو التغيير؛ فتلك فرصتك في رمضان..
فصاحب الإرادة يقول: سأستعين بالله وأفعل إن شاء الله، ولا يقل: لا أستطيع؛ فالعاجز: هو من يقول: لا أفعل، ولا أستطيع، وصاحب الإرادة هو الذي يستعين ويتوكل على رب العالمين.
وللحديث صلة غدًا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية