مبدئيا وقبل الولوج في موضوع مقال اليوم اسمحوا لي أن أنسب الفضل لأهله، فقد أوحى لي بعنوان موضوع اليوم هو خطيب جمعتنا بمسجد الهدى في الحي الأول بأكتوبر وهو خطيب متمكن يمتلك أدواته كخطيب واعتبره النموذج الأوضح والأنجح لفكرة تجديد الخطاب الديني، فعادة خطباء المساجد نمطيون، ولكن الدكتور سمير مجدد في كل شيء الطريقة، اللغة، المعلومات، اختيار الموضوعات، التناول، وحتى اختيار الآيات التي يصلي بها الجمعة والتي تأتي في أغلب الأحيان والأحوال شارحة ومفصلة ومؤكدة لموضوع الخطبة.
أوحي لي بالفكرة ولو ضمنيا، فموضوع اليوم عن الصيام وخلق التواضع، كيف يثمر صوم المسلم على تعامله مع الناس، وخصوصا رقيقي الحال، فالتواضع وعدم الكبر والعطف على الصغير وكبار السن والمرضى والضعفاء والمنقطعين، ومن هم على شاكلتهم، هو مما يحث عليه الصيام خلقا والتزاما، وقدوتنا في ذلك رسول الله -صل الله عليه وسلم- الذي كان عظيما مع العظماء، بسيطا وهاشا باشا لينا مع رقيقي الحال وكأنه منهم، فالصيام كما نعلم يرقق القلوب ويجعل الغني يشعر بما يشعر به الفقير في أغلب الأحوال والحالات.
فالحكمة من الصيام أن الجوع والعطش حين يحس بهما الصائم تتحرك يده فتمتد بالخير والبر للفقراء الذين عانوا مثل ما عانى من ألم الجوع وحر العطش، ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هي المواساة والصدقات وعمل البر.
والصيام يعوِّد صاحبه على التواضع وخفض الجناح ولين الجانب، وبالتالي يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه، ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق.
ومن لطيف ما قرأت للمفكر محمد عبد الله فضل عندما يصوم المرء احتساباً وقربةً لله، فإن هذا الاحتساب يستدعي منه وقفة مع الذّات ومعرفة حجمها الطّبيعيّ.
فإن كان متكبّراً على زوجته وعياله وجيرانه ورفاقه، فعليه أن يتوقف عن ذلك، ويستفيد من صيامه، وليتعلم معنى المواظبة على التّواضع لله، والتواضع للناس، وأن يعيش هذا التواضع سلوكاً عملياً مع الناس، فلا يبغي عليهم، ولا يبخسهم حقّهم، بل يعيش التودّد لهم، والرّحمة لضعفائهم، والبرّ بمستضعفيهم.
فكثيرون منّا لا يعرفون أحجامهم، ويعيشون انتفاخ الشخصيّة والغرور، فيستعلون على الفقراء والنّاس من حولهم، وبما أنَّ الصّوم عبادة تهدف إلى تربية مشاعر الصَّائم على كلّ سموّ وخلق رفيع، فإنّ عليه أن يرفض كلّ كبر وغرور.
ولنعلم أن الصيام يدعو الصائم إلى أن يخفض جناحه لأهله وأولاده وللنّاس من حوله، وأن يشعرهم بأنه يمارس الطاعة والعبادة فعلاً، من خلال تصرّفاته المقبولة التي يرضاها الله تعالى، وليس مجرّد أنه ممتنع عن الطّعام والشّراب فقط، «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
لا بدّ من أن يترك الصّوم في نفوسنا أثراً طيّباً يصحّح لها مشاعرها، وينظّم لها سلوكيّاتها.
فالصّيام فرض علينا لنلتفت إلى أوضاعنا النفسية والروحيّة، ولنعمل على مراجعتها وتصويب الخلل فيها، والأزمة هنا أن يصرّ البعض على انحرافهم، وأن يكتفوا بمظاهر العبادة دون إحداث التّغيير المطلوب، من أجل تثبيت الشخصيّة الإيمانيّة في المجتمع، والّتي تعمل على تحصينه من كلّ ما يضرّه ويؤذيه.
فلنكن من الصّائمين المتواضعين لله والنّاس، ولنخرج من الصّوم ونحن في أفضل حال يرضاها الله تعالى لنا.
وللحديث صلة غدا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية