إذا أردت أن يكون صيامك كما أمر الله تعالى فاجعله كما يقول جابر رضي الله عنه: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء».
هكذا يكون صوم المسلم، فحقيقة الصيام كما نؤكد دوما وأبدا ليس الامتناع عن الطعام والشراب والجنس فحسب، بل أن ترقى إلى الروح فيصوم القلب عن كل حقد وغل وضغينة، وتصوم عينك عن النظر إلى الحرام، وألا ترى ما لا يحل لك أن تراه، فلا تنظر بشهوة إلى كل ما تقع عليه عينك، وكلما استطعت أن تغض بصرك فافعل، وليس النظر إلى النساء فحسب فغض البصر واسع سعة الدنيا، فكل ما ليس من حقك أن تراه عليك أن تغض بصرك عنه، أن تنظر إلى زرع جارك نظرة حسد، وجب عليك غض البصر، وهكذا دون الاستفاضة في تفصيلات، وأنت تعلم دائما مالك وما عليك فالتزم بما لك واترك ما ليس لك.
ولا يرنو سمعك إلى محرم من محرمات الدنيا، وهي كثيرة وتحاوطك من كل اتجاه، وتأتيك من كل حدب وصوب، ولكن ما عليك إلا أن تجاهد وتخالف نفسك في الابتعاد عنها قدر الإمكان أو ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وكلما لاحقك شيء من هذا كلما اشغلت سمعك بما هو لك حلال، يطرب قلبك قبل أذنك وليس هناك أعذب من القرآن الكريم، تلاوة أو سماعا ليبعدك عن سماع أصوات الشيطان التي تحدث فيك شيئا من صمم، وتزيد الران على قلبك، بما يبعدك عن سماع صوت الرحمن.
كما يصوم لسانك عن فحش القول وبذاءة الكلام، والسباب والشتائم، ولتضع نصب عينيك قول الرسول صل الله عليه وسلم «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».
وهنا يحضرني حديث عظيم جدا أتمنى أن يتمثله المسلم في كل وقت وحين سواء كنا في رمضان أو غير رمضان، فهو حقيقة يقرب لنا الصورة جدا، ويكشف لنا الكثير عن مشهد سنقفه يوم القيامة، وفيه أيضا يضعنا الرسول الرؤوف الرحيم بأمته، في موقف فارق إما أن نكون عبيدا لله ربانيون قولا وعملا، أو ننجرف في تيار نهايته معروفة مسبقا، ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما المفلس؟))، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: ((إن المفلس من أمَّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتَم هذا، وقذف هذا، وأكَل مال هذا، وسفَك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإنْ فَنِيَتْ حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار)).
فقد أشار المعلم الهادي البشير النذير – صل الله عليه وسلم- الي أنهم قد حدثوه عن مفاليس أهل الدنيا، وحدثهم هو بحرصه الشديد عليهم عن مفاليس يوم القيامة. حدثوه عن الإفلاس المؤقت، وحدثهم عن الإفلاس الدائم. حدثوه عن إفلاس قد يأتي بعده غنى ويستغني صاحبه بعده، وحدثهم عن إفلاس لا غنى بعده أبدا. حدثوه عن إفلاس ربما لا يضر بدين صاحبه، وحدثهم عن إفلاس يدخل صاحبه النار.
إن المتأمل في أسباب الإفلاس التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنها كلها دائرة على سبب واحد وإن تنوعت صوره، ألا وهي الاعتداء على حقوق الخلق وظلمهم «شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا».
فالذي لم يتعلم من صيامه شيء أو لم تترك فيه صلاته أثرا، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
فلينظر كل منا المكان الذي يريد نفسه فيه!!!
وللحديث صلة وغدا نكمل بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية