كما ذكرنا بالأمس فإن العلاقة بين القرآن والصيام وطيدة، ولا انفصام بينهما، فالله سبحانه وتعالى قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185]، وقال الرسول صل الله عليه وسلم «الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ»، فما هي هذه العلاقة؟
وهنا نؤكد مبدئيا ويؤكد على ذلك المفكر سعد الدين فاضل بأن القرآن هو المنهج والدستور، الذي يضم بين دفتيه وصفة لصلاح الفرد، وصلاح المجتمع، بل وصلاح الكون كله، وما ضلت الأمة الإسلامية والعربية وذلت إلا بالتخلي عن القرآن، وسنة النبي محمد الذي ما ينطق عن الهوى، وما زاغ بصره وما طغى، والله سبحانه وتعالى جعل فيه الهدى للناس جميعًا، كما قال: {الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ} [البقرة:185]، ولكن جعل الله فيه الفلاح لفئة محددة؛ كما ذكر في أول سورة البقرة: {أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5]، والفلاح غير النجاح، لأن الفلاح في الدنيا والآخرة، فسعادة في الدنيا، وفوز بالجنة في الآخرة، نسأل الله أن نكون منهم. ولكن حتى نكون من المفلحين الذين نص عليهم كلام الله تعالى فهناك صفات يجب أن نتحلى بها، ذكرها الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة لهذه الآية، وهذه الصفات هي: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة:3-4]
على رأس هذه المواصفات هو الإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، والإنفاق، والإيمان بالقرآن، والكتب السابقة، والإيمان باليوم الآخر. وهذه الصفات جميعها يدربنا عليها الصيام، فأهم صفة يدربنا عليها أن نكون من المخلصين، فلا يستطيع صائم أن يأكل أو يشرب حتى ولو غاب عن أعين الناس، لأنه يعلم أن الله يراقبه، والإخلاص هذا يقوي إيماننا بالغيب، وما عند الله من ثواب وعقاب، ويقوي إيماننا باليوم الآخر، كذلك يدربنا الصيام على إقامة الصلاة، فنجد أن ثواب الفريضة يتضاعف، وأيضًا ثواب النافلة، فنجد الناس مقبلين على الصلاة، وعلى بيوت الله بشكل كبير في رمضان وخصوصا في صلاتي الفجر والعشاء والتراويح والتهجد.
أما فضيلة قراءة القرآن في شهر اختصه الله تعالى بنزول الكتاب المحكم التنزيل والتشريف والتعظيم، لهداية الناس بقيمة الأخلاقية، ومبادئه التشريعية والإنسانية، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ؛ ولهذا الفضل العظيم لهما بين الشهور والتشريعات السماوية استحق الشفاعة من أداهما ابتغاء مرضاة الله تعالى؛ فالصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة.
وهنا لمح الدكتور على صبح ملمحا رائعا حيث يقول «يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه» وهنا نجد روعة التشخيص وحيويته في الصيام، فقد شخص الصيام إنسانًا محاميًا يدافع عن الصائم يوم القيامة.
وفي هذا تخصيص رائع للمسلم الصائم بحق، والذي يؤدي ما أمره الله به بإخلاص وطاعة ورضا، ليصل الي تحقيق الهدف وهو لعلكم تتقون، فالتقوى هي جماع الخير كله.
وللحديث صلة غدا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية