لم أستطع تجاوز معركة عين جالوت التي تحل علينا ذكراها اليوم ٢٥ من رمضان لأسباب أخلاقية قبل أن تكون تاريخية، ففي هذه المعركة دروس وعبر، علينا أن نتمثلها اليوم، فواقعنا المرير لا يختلف كثيرا عما كنا عليه وقتها، حيث الهزائم والانكسارات، والضعف الذي لحق بالأمة كلها، وتكالب عليها المغول التتار من جهة، والصليبيين من جهة ثانية، ومن الداخل انشغال الحكام بخلافات حول الكرسي، مما أضعف شوكة الأمة الإسلامية.
أيضا لأن شهر الصيام هو شهر العمل والجد والجهاد، لا شهر الكسل والارتكان، والدعة، فالمسلمون ورغم ما كانت لديهم من ظروف معيشية قاسية وقتها يقومون بتحرير اراضيهم، والذود عن مقدساتهم، ويدور الزمان دورته فيكون الأقصى اسيرا والأمة الإسلامية في أشد حالات الضعف والهوان، فهل سيقيض الله لهذه أمر وحكم رشد؟ أم أننا لسنا من هذه الاجيال التي تستحق هذا الشرف.
سأترك المجال اليوم لإلقاء نظرة تاريخية، يجب أن نأخذ منها الدروس والعبر لأقدم المعركة كحدث تاريخي، ربما ينتبه غافلا، أو يصحو نائما، أو يعود ضالا الي رشده حاكما أو محكوم.
فمعركة عين جالوت (25 رمضان 658 هـ / 3 سبتمبر 1260م) هي إحدى أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي؛ إذ استطاع جيش المماليك بقيادة سيف الدين قطز إلحاق أول هزيمة قاسية بجيش المغول بقيادة كتبغا.
وقعت المعركة بعد انتكاسات مريرة لدول ومدن العالم الإسلامي، حيث سقطت الدولة الخورازمية بيد المغول، ثم تبعها سقوط بغداد بعد حصار دام أياماً فاستبيحت المدينة وقُتل الخليفة المستعصم بالله فسقطت معه الخلافة العباسية، ثم تبع ذلك سقوط جميع مدن الشام وفلسطين وخضعت لهولاكو، كانت مصر في تلك الفترة تئِنُّ من الصراعات الداخلية والتي انتهت باعتلاء سيف الدين قطز عرش مصر سنة 657 هـ / 1259 سلطانا لمماليك مصر.
فبدأ بالتحضير لمواجهة التتار، فقام بترتيب البيت الداخلي لمصر وقمع ثورات الطامعين بالحكم، ثم أصدر عفواً عاماً عن المماليك الهاربين من مصر بعد مقتل فارس الدين أقطاي بمن فيهم بيبرس، ثم طلب من العز بن عبد السلام إصدار فتوى تُشرع له جمع الضرائب على سكان مصر بعد أن واجهته أزمة اقتصادية عجز من خلالها عن تجهيز الجيش، وكان له ما أراد وأصدر العز بن عبد السلام فتوى تجيز جمع الضرائب بشروطٍ خاصة ومحددة،
كما كان لمشاركة ابن تيمية في المعركة أثر كبير بدأ قبلها بسنوات بخطبه الحماسية وفتاواه الموجهة ضد التتار ومن والهم، وتوج ذلك بالمشاركة ضمن صفوف الجيش المصري في هذه المعركة، وكانت خطبه الدينية وحماسته ضد حلفاء التتار وهم – كما تنقل لنا كتب التاريخ – بعض “نصارى الشام” و«يهود فارس» و«شيعة ساحل سوريا» والفرس والسلاجقة والصليبين المتورطين في القتال مع التتار أشبه بجهاز إعلامي كامل شحذ مشاعر جيش المسلمين القادم من القاهرة
وما إن انتهى قطز من تجهيز الجيش حتى سار به من منطقة الصالحية شرق مصر حتى وصل إلى سهل عين جالوت الذي يقع تقريباً بين مدينة بيسان شمالاً ومدينة نابلس جنوباً في فلسطين، وفيها تواجه الجيشان الإسلامي والمغولي، وكانت الغلبة للمسلمين، وهرب الآلاف من المغول من المعركة واتجهوا قرب بيسان، وعندها وقعت المعركة الحاسمة وانتصر المسلمون انتصاراً عظيماً، وأُبيد جيش المغول بأكمله.
فقد كان لمعركة عين جالوت أثراً عظيماً في تغيير موازين القوة بين القوى العظمى المتصارعة في منطقة الشام، فقد تسببت خسارة المغول في المعركة من تحجيم قوتهم، فلم يستطع القائد المغولي هولاكو الذي كان مستقراً في تبريز من التفكير بإعادة احتلال الشام مرةً أخرى.
كان للانتصار في معركة عين جالوت أثرا كبيرا جداً في روح ومعنويات المسلمين من جهة، وفي طموح المسلمين في تحرير ما بقي من مدن وبلدات العالم الإسلامي التي كانت تقبع تحت احتلالين: الأول الاحتلال المغولي والثاني الاحتلال الصليبي، وتبدد الاعتقاد بمقولة أن التتار لا يمكن أن يُهزموا، وبدأ المماليك في الإعداد لاستعادة هيبة الإسلام بعد غياب دام سنين طويلة.
استطاع المماليك وقف تمدد المغول العسكري في الشام وفلسطين والأناضول، ولم يتمكن المغول من غزو بلاد الشام لفترة من الزمن، وكان من أهم نتائج معركة عين جالوت أن هولاكو الذي استقر في تبريز لم يفكر في إعادة احتلال الشام مرةً أخرى، وكان أقصى ما فعله رداً على عين جالوت هو إرسال حملة انتقامية أغارت على حلب.
وعادت للأمة الإسلامية هيبتها وقوتها وصيتها، فبدأت في لملمة شتاتها واستعادة مكانتها، رغم الكثير من الاخطاء والكوارث التي وقعت بعد النصر الذي كان كفيلا، بالتغطية علي أوجه القصور هذه، وبدأ أفضل دولة التتار ومن ناصرهم.
وللحديث صلة غدا بمشيئة الله تعالى
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية