تأبى ذكري الخامس من يونيو 67 أن تمر من دون حادث يذكرنا بمرارتها وقسوتها.. ويربطها باليوم المشئوم الذي «نكسنا» فيه قبل 56 عامًا! لا يذهب خيالك إلى بعيد، فتتخيل أنني أتحدث عن ذلك الاشتباك الذي جري على الحدود المصرية مع إسرائيل قبل أيام، والذي هو موضع تحقيق على مستويات الأمن القومي، لكن ما نكتب عنه الآن هو ما سميته «نكسة المترو في 2023»، والتي راح ضحيتها شاب كفيف، تسبب في انتكاسته – أو مصرعه لا فرق – الوعي الجمعي المتأثر بالأفكار السلفية التي داهمت مجتمعنا منذ قرن، واشتعل لهيبها وتزايدت أصداؤها في السبعينيات.
الذي حدث هو أن شابًا كفيفًا ركب مترو الانفاق.. وطبقا لحديث تليفوني دار بين عضو جمعية المكفوفين محمد هاشم ومسؤول المترو نفهم أن مكان الفاجعة هو الخط الثالث.
قال لي رئيس الجمعية ورئيس مركز الأشعري بالأزهر الشريف أستاذ الفلسفة الإسلامية يسري جعفر أن الشاب استقل عربة مترو السيدات.. ركبها بالخطأ طبعا. لكنه سرعان ما نزل منها في المحطة التالية محاولا اللحاق بعربة الرجال! الدكتور جعفر يضرب كفًا بكف ويستغرب كيف لم تساعده أي سيده في العربة على النزول؟ لماذا لم تأخذ أحداهن بيده؟ لقد نزل وحده.. وحاول اللحاق بعربة الرجال بمفرده ومن دون أن يساعده أحد فتعثر وسقط تحت عجلات المترو!
يتساءل الدكتور جعفر: ما الذي جري في العربة خلال تلك الدقائق التي مكثها فيها الشاب الكفيف -الذي لا يمكنه أن يضايق السيدات أو يؤذيهم بحسب ظروفه الصحية تلك – وما سبب سرعة نزوله منها؟ ماذا حدث؟ ما الذي قالوه له؟ هل استشعر الحرج من تلقاء نفسه فسعى للنزول؟ أم أن السيدات صرخن بوجهه ووجهن له اللوم والتقريع على فعلته الشنعاء، بركوبه عربة النساء؟ لا نعرف ماذا جري تحديدًا في تلك اللحظات، كل الذي ندريه هو أنه سقط سريعًا، صريعًا، تحت عجلات المترو! رحمة الله «أخذ سره معه وراح ولا نعرف ما حصل»!
يواصل رئيس مركز الأشعري بالأزهر حديثه فيقول: علمت بالحادث من اتصالات أبنائي أعضاء جمعية المكفوفين، الحادث مؤلم ومفجع وقلوب الناس مفطورة مما جرى مصدومة وأضاف هذا نتاج الأفكار «الوهابية» المقيته التي غزت العقول عندنا، وذلك نتاجها وتأثيراتها السلبية.
لقد تغيرت ثقافة المجتمع، وهذا الحادث، الذي ليس الأول ولن يكون الأخير، هو نتاج هذه الثقافة السلفية الغريبة الطارئة علينا. ثقافة تجذرت في العقول والسلوكيات، حتى في كتابات الناس وتعليقاتهم على الصور الفوتوغرافية، فمؤخرا نشر مخرج برامج بإذاعة القرآن الكريم، صورتنا ونحن نسجل حلقات دينية، فإذا ببعضهم يكتبون متندرين علينا، أستاذ عقيدة ومذيع بإذاعة القرآن حليقي الذقن؟ مع علامات التعجب وإيموشن الاستهجان! «حزنت جدًا».. التعبير للدكتور جعفر.
عودة إلى نكسة كفيف المترو، والحوار الذي دار بين عضو الجمعية محمد هاشم ومسئول المترو، فنفهم منه أن إدارة المترو منزعجة ومصدومة من حادث الوفاة المأساوي، ونعرف أن المترو يقدم خدمة المرافقة لذوي الإعاقة عند طلبها وكما قال المسئول، كثيرون لا يطلبونها ولا يعقل أن نعرضها من دون أن نعرف من يحتاجها.
يقتضي هذا من الإعلام التليفزيوني تنويها كثيفا ومستمرًا بهذه الخدمة وتوعية بها، ربما تلافينا مثل هذه النكسات مستقبلا.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية