حقق الحوار الوطني مقاربات مهمة على صعيد الترسيخ الديمقراطي وإعادة إحياء الفكر الوطني المصري؛ على مستوى الديمقراطية ساهم الحوار الوطني في فاعلية العملية الديمقراطية وترسيخ مبادئ «الديمقراطية التشاركية»، التي في معناها العام هي جملة من الإجراءات والآليات التي تتيح مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في عملية صنع السياسات العامة. في إطار نظام يأخذ بعين الاعتبار دور المواطنين في المشاركة في عملية صياغة وصنع القرار السياسي وتدبير الشأن العام في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
لذلك فالحوار الوطني يحقق الأبعاد الأربعة للديمقراطية التشاركية، والتمكين الديمقراطي؛ فهو أولاً حقق الوصول للمعلومات ويقصد بذلك تدفق المعلومات من الحكومة للمواطنين والعكس، والثاني هو الشمول والمشاركة والذي يشير إلى شمول الأفراد والجماعات ومختلف فئات المجتمع المصري التي تم تضمنينها في عملية المشاركة، وثالث هذه الأبعاد يتصل بالمساءلة وقدرة المواطنين على محاسبة المسؤولين الحكوميين، فيما رابع هذه الأبعاد يتمثل في مدى قدرة الأفراد على التفاعل فيما بينهم لمعالجة المشكلات والتحديات التي تواجه المجتمع.
وهو بذلك لا يلغي الديمقراطية التمثيلية ممثلة في البرلمانات المنتخبة، لكنه مثل أداة للتكامل مع الديمقراطية التمثيلية لمجابهة التحديات ومعالجة أوجه القصور. وهو الأمر الذي أكد عليه مجلس أمناء الحوار الوطني مراراً وتكراراً من أن الحوار الوطني ليس بديلا لأي مؤسسة دستورية سواء كانت الحكومة أو البرلمان.
وعلى جانب آخر؛ حقق هذا النطاق الواسع من التشاركية لمختلف أطياف المجتمع وفئاته ما يمكن تسميته بإحياء الفكر الوطني المصري؛ وهي أحد أشكال الديمقراطية التي أكد عليها الدكتور علي الدين هلال أستاذ العلوم السياسية، ومقرر لجنة المحور السياسي بالحوار الوطني، في دراسته المعتبرة حول الديمقراطية، الصادرة عن سلسلة عالم المعرفة، والتي جاءت تحت عنوان «الانتقال إلى الديمقراطية.. ماذا يستفيد العرب من تجارب الآخرين؟». حيث أشار الدكتور علي الدين هلال إلى مفهوم «الديمقراطية التشاورية» كأحد أنماط النظم الديمقراطية؛ القائمة في جوهرها على «إحياء مفهوم المناقشة والتفكير بين أعداد كبيرة من المواطنين حول القضايا العامة بهدف التعرف على آرائهم فيها، وعرض ما توصل إليه من اجتهادات على المشرعين وأصحاب القرار».
ووفقاً لأنصار هذا النمط من الديمقراطية فإن الأساس هنا هو «المشاركة المباشرة» لأكبر عدد من المواطنين في القضايا السياسية في اقتراب مع مفهوم «الديمقراطية التشاركية»، هذه الديمقراطية التشاورية تنطلق أيضاً من أهمية تنظيم مناقشات عقلانية تستند إلى خمسة عناصر رئيسية هي: المعرفة، التشاور، المشاركة، والتعاون، والتمكين للجمهور العام.
والمعرفة هنا تحتاج إلى فكر، والفكر يستند إلى البحث والتدقيق. هكذا فعل الحوار الوطني؛ الذي أجاب على سؤال فيم نبحث؟ من أين نبدأ؟ وكيف؟، وهو سؤال قديم حديث للدكتور أنور عبد الملك في كتابه «الشارع المصري والفكر».
فالحوار الوطني أعاد إحياء فضيلتي البحث والتفكر حول مختلف القضايا التي تناولتها محاور الحوار ولجانه. كل مشارك ومتحدث في الحوار حتى في مجال تخصصه كانت المشاركة في الحوار ولو لمدة أربع دقائق هي بمثابة امتحان أمام الرأي العام، فكانت العودة للبحث والتدقيق من أجل الإسهام الفاعل بالرأي والمقترح، وهي فضيلة غابت كثيراً وكادت أن تتوارى تحت سطوة الآراء المعلبة وغير المدققة على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي.
إذا كانت المشاركة هي جوهر الديمقراطية، كما يرى منظروها فها هي قد تحققت وعلى نطاق واسع، يبقى عدم وإصدار أحكام مسبقة بعدم جدية الحوار أو شكليته خاصة وأن آلية الحوار الوطني كان لها اسهامات جادة بدء من التوسع في ملف العفو عن السجناء، وانتهاء بمقترح مد الإشراف القضائي وهي جميعها قضايا جادة ومهمة، وهو ما يستدعي استمرار التوافق على أهمية الحوار الوطني، واستغلاله الاستغلال الجاد والأمثل لتحقيق أهداف الحوار الوطني وعلى رأسها ما أقره الحوار من السعي نحو ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن المصري والنقاش الجاد المثمر حول آليات تحقيقها في جميع المجالات.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية