بقلم: حلمي النمنم
اليوم عيد.. عيد الفطر المبارك، ننتظره جميعاً كل عام بشغف، فهو يعنى- عملياً- انتهاء شهر رمضان، ومن ثم العودة إلى الحياة العادية، فيما يتعلق بتناول الطعام والشراب، فضلاً عن الفرح باجتياز شهر الصيام، وتحمل كل معاناته؛ العيد مرتبط لدينا- كذلك- بالجديد، فى الملابس والأطعمة والفسح والزيارات.
العيد فى اللغة مرتبط بالعود، ومن ثم فالعيد يعود إلينا كل عام، أى متكرر، نحن نعرف مسبقاً بموعده، ولا مفاجأة فى قدومه، ورغم ذلك فإننا ننتظره بشغف وترقب، نحن نحتفل اليوم بعيد الفطر المبارك، وبعد حوالى سبعين يوما سوف نكون فى انتظار عيد الأضحى المبارك، وهكذا كل الأعياد، نحن نعرف موعدها، عيد شم النسيم، عيد العمال، عيد تحرير سيناء، وغيرها من الأعياد.
الفرحة بالعيد والابتهاج بقدومه، وكأنه يأتى للمرة الأولى، يعكس احتياج الإنسان إلى البهجة والسعادة، يحتاج الإنسان الفرح، هذه كلها ضرورات فى حياة الإنسان، وليست مجرد رفاهية كما يتصور البعض، لذا يجتهد الإنسان فى الاحتفاء بالعيد، لدينا الأعياد الدينية، وهذه مقررة بحكم دينى، مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، وهناك الأعياد الوطنية والسياسية التى تعبر عن حقائق سياسية، سوف نجد فى معظم بلدان العالم «عيد الاستقلال» وعيد النصر وغيرها وغيرها، لكن الإنسان أيضاً يخترع لنفسه أعياده الخاصة، عيد ميلاده، عيد التخرج، عيد الزواج، وغير ذلك من الأعياد.
غير الأعياد الخاصة أو الشخصية، هناك أعياد عامة تصطلح عليها المجتمعات، بعضها يرتبط بمناسبات دينية، كالموالد مثلاً، أو مناسبات اجتماعية عامة.
وكلما ازدادت عوامل الإحباط الاجتماعى والأزمات الإنسانية، يصبح المجتمع فى أشد الاحتياج إلى لحظات أو أيام من الفرح والبهجة، تفصله عن الواقع الذى يحياه، هى تكون إجازة، ليس بمعيار الوقت فقط، أى الامتناع عن العمل، ولكن إجازة من الهموم والأزمات، استعداداً لمواصلة مسيرة الحياة.
المجتمعات غير المأزومة، والإنسان الذى لا تحاصره الهموم، يحتاج هو الآخر إلى لحظات الفرح والسعادة والبهجة، الإنسان الذى لا يستشعر الفرح ولا يحس البهجة ولا يسعى إليها، يعد مريضاً، وينصح أن يعالج نفسياً، لأنه فى هذه الحالة يكون مصاباً بالاكتئاب، وإن لم يكن مكتئباً فإنه يكون «نكدياً»، هكذا يوصف ويعامل بيننا، صحيح أن الحزن طبيعى فى حياة الإنسان، لكن الفرح كذلك طبيعى ويجب أن يكون كذلك، وحياة الإنسان تسير بينهما، ولا تخلو الحياة من لحظات الحزن، ولا من الفرح؛ وإذا كان الحزن يفرض علينا فرضاً، فإن الفرح يكون باختيارنا فى كثير من الأحوال وبرضانا، ونكون سعداء به.
وأهم ما يميز العيد، هو الشيوع والعمومية، أى يكون الجميع- كل الناس- مبتهجين وسعداء فى ذلك اليوم، بخلاف الأعياد الشخصية أو الخاصة، التى يبتهج فيها الإنسان، وربما بعض المقربين منه، مثل عيد الميلاد وغيره من المناسبات الشبيهة، وهكذا فإن الفرح يمكن أن يكون خاصاً، هو فى الأصل كذلك، لكن من الضرورى أن تكون هناك أفراح عامة.
الأعياد الدينية وحدها تستمر بلا انقطاع ولا توقف، شهر رمضان يأتى كل عام وكذلك أول شوال، أما الأعياد ذات الطابع الاجتماعى، فقد تتوقف، مثلاً ظل المصريون يحتفلون لقرون بعيد وفاء النيل سنوياً، حيث يحل موعد فيضان النيل، لكن هذا الاحتفال تراجع وتوقف تقريباً، ذلك أن بناء السد العالى واحتجاز المياه خلف بحيرة السد، جعل النيل يفيض طوال العام وتوقف الجفاف الذى كان يحل به سنوياً فى فصل الشتاء.. حتى إن النيل حين شح ماؤه لسبع سنوات متتالية فى التسعينيات، لم نستشعر الأزمة ولا حدثت مجاعات ولا انتشرت الطواعين، كما كان يحدث فى هذه الظروف، لأن السد حمانا من ذلك، لكن إذا كان «وفاء النيل»، تراجع كعيد، تم استحداث أعياد جديدة، تعبر عن اللحظات العظيمة فى تاريخ هذا الوطن، مثل عيد تحرير سيناء، وعيد انتصار أكتوبر، ومؤخراً عيد ثورة 30 يونيو.
أهم ما تحمله الأعياد الدينية، معنى مهم، هو أن الدين ليس ضد الفرح والبهجة، بل إن الفرح والبهجة والسعادة هى بمعنى ما فريضة دينية، أو تقترب من ذلك.
والواقع أن الأمة المصرية، تميل إلى الفرح والابتهاج، رغم أن فى وجداننا الشعبى ما قد ينبئ بغير ذلك، حيث الخوف من بعض اللحظات، والقلق من المجهول، مثل أن يتريث الإنسان إذا ضحك كثيراً، ويتوقف ويردد «خير اللهم اجعله خير»، لكن منذ زمن بعيد احتفل المصريون بعيد الربيع وفيضان النيل وقدوم المولود «السبوع» وغير ذلك؛ ولأننا كذلك سوف نجد لدينا الكثير من الأعياد؛ وبعض المهتمين بالإصلاح الإدارى توقفوا عند كثرة الإجازات التى تقررها الدولة للعاملين بها فى مناسبات كثيرة، ولم ينتبه هؤلاء أهمية وضرورة لحظات الفرح والابتهاج فى حياة الفرد ومسيرة المجتمع.