الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وخصوصًا في غزة، منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، فاقت في ضراوتها كل المآسي والمحارق النازية والهولوكوست التي حدثت تاريخيًا واستمرت آثارها السلبية تروى بصورة وحشية لتحكي حكايات وقصصًا مأساوية أشبه بالخيال، حيث تغولت فيها الرغبات الحيوانية لكائنات منزوعة العقل على كل قيم الإنسانية، وفي اختراق صارخ لكل المواثيق الدولية والقوانين الوضعية والأخلاقية وحقوق الإنسان وكرامته.
وما بين تتار الماضي والنازيين الجدد سمات مشتركة، أهما اللاقلب واللاوعي، واللاعقل، فما أقسى الحياة وما أشد الواقع بأسًا إذا تم التعامل مع البشر على أنهم قطيع من الجرذان يجب القضاء عليهم بأي وسيلة كانت محرمة، حرقا أو بالأسلحة المجرمة دوليًا أو بهدم المنازل فوق رؤوسهم أو بمواجهتهم بقوة القتل الثلاثية، جواً وبراً وبحراًن المهم الإبادة والتطهير العرقي في واحدة من أبشع المجازر التاريخية.
وبالطبع لم يفرق الاحتلال اليهودي خلال حربه الدموية بين الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، فجميعهم أهداف متحركة يجب القضاء عليها بأي وسيلة.. والأهم هو الانتهاء من الأطفال قتلا وتعذيبا وحرقا كمرحلة أولى في محاولة للقضاء على الجذور ووقف تكاثر أصحاب الأرض والإرث وورثة الأنبياء وحراس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، في ظل موت الضمير العالمي وغيبوبة أمة ضحكت من جهلها الأمم، فالبعض باع، والبعض خان، والماسك على دينه ومبادئه وأخلاقه كالماسك على جمر.
وفي ظل الموت العربي تجوب المظاهرات الرافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة أنحاء العالم بصورة غير مسبوقة، فالمواقف الشعبية الرافضة أعلى صوتًا من الحكومات المستسلمة والمطبعة التي باتت تتابع ما يحدث عبر شاشات التليفزيون كأنه فيلم سينمائي من أفلام الخيال العلمي.
وفي إطار ضمير الشعوب العالمي الحي وثقت مجموعة من الصحفيين الأستراليين فيلمًا عن تعذيب إسرائيل للأطفال الفلسطينيين، وهو الأمر الذي أثار غضبا دوليا ضد إسرائيل بعد أن عرض الفيلم انتهاكات حقوق الطفل في غزة.
وثق الفيلم الذي أنتج تحت عنوان «العدالة الباردة الحجرية» كيف يتعرض الأطفال الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية واحتجازهم للإيذاء الجسدي والتعذيب وإجبارهم على الاعترافات الكاذبة ودفعهم لجمع معلومات استخباراتية عن النشطاء الفلسطينيين.
وعلى المستوى الدبلوماسي تحدثت وزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب، ضد استخدام إسرائيل للتعذيب قائلة: «إنني أشعر بقلق عميق إزاء مزاعم سوء معاملة الأطفال الفلسطينيين»، ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأسترالية، إيجال بالمور، انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة في الفيلم بأنها «شيء لا يطاق».
باختصار.. التقارير المأساوية عن وضع الأطفال الفلسطينيين في غزة كشفت أنه يتم استهدافهم بالاعتقالات الليلية ومداهمة منازلهم وأنهم يهددون بالقتل ويتعرضون للعنف الجسدي والحبس الانفرادي والاعتداء الجنسي.
لقد أثار الفيلم استنكارا دوليا بشأن معاملة إسرائيل للأطفال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ويبقى الجانب الآخر من الحكاية المأساوية التي لم يتعرض لها الفيلم وهي أن الأطفال الناجين من سجون الاحتلال رغم فظاعته وقسوته يواجهون مصيرًا محتومًا لا يقل ضراوة، وأيضا على يد المحتل الغاصب، وهو الموت قتلا بالرصاص أو حرقا بالقنابل الفسفورية أو خنقا تحت الأنقاض أو هدفا لرصاصات طائشة أو تحت عجلات المدرعات الحربية.
ما أقساها من حياة بائسة لأطفال بدلا من أن يذهبوا إلى مدارسهم أو يلعبوا مع ذويهم فإنهم يواجهون الموت كل لحظة من الزائر الوحيد الذي يخطف أرواح كل من يحبون وينتظرون قدومه في كل لحظة وأحيانا يتمنونه وينتظرون قدومه بعد ما سبقهم إليه الأهل جميعا، فربما كان الموت الحقيقة الواحدة لوضع نهاية لمأساتهم ومعاناتهم التي فاقت كل احتمال.. الجرائم الإنسانية التي تحدث في غزة ليس الاحتلال وحده المسؤول عنها.. عموما عند الله تجتمع الخصوم.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية