تحدثت أمس عن أهمية دخول مصر إلى المسار الديمقراطي القائم على الحرية وحقوق الإنسان، طبقاً لما كشفت عنه مؤخراً الانتخابات الرئاسية.
وهذا المسار الديمقراطي الجديد بالبلاد هو ما لفت أنظار العالم أجمع، ولذلك لم يكن الإقبال الكثيف الذي رأيناه في عمليات التصويت جاء من فراغ أو محض صدفة، وإنما لسببين رئيسيين تحدثت عنهما من قبل، الأول هو الإرادة السياسية الحقيقية التي تريد تفعيلاً ديمقراطياً حقيقياً، والثاني وهو استشعار المواطن المصري بأن هناك خطراً فادحاً يواجه الدولة المصري.
وصحيح أن مصر تعيش مرحلة أمن واستقرار أكثر من رائعة، بعد القضاء تماماً على جماعات الإرهاب والتطرف وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية التي غارت إلى غير رجعة، إلا أن الأخطار ما زالت قائمة وبالمرصاد ضد مصر، فلم يكف أصحاب المخططات والمؤامرات، ما يحدث حالياً في اليمن وسوريا وليبيا والسودان ومن قبلهم العراق، إنما العين على مصر باعتبارها القوة القادرة على حماية أمنها القومي والأمن القومي العربي.
ومازلنا في أحداث الحرب الإسرائيلية على غزة، وكيف أن مصر تواجه وتتصدى لكل المحاولات التي تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال دعوات التهجير القسري للفلسطينيين من غزة إلى سيناء ومن الضفة الغربية إلى الأردن.
إذن المسار الديمقراطي الجديد للبلاد يعنى أن مصر دخلت مرحلة جديدة من تاريخها السياسي، ويأتي على رأس ذلك تفعيل مواد الدستور خاصة المادة الخامسة التي تقضى بالتعددية السياسية والحزبية.
وهذا مربط الفرس، وأعتقد أن هذه القضية تحتاج إلى وقفة متأنية جداً، وتحتاج إلى تدقيق النظر حتى يتم الاستفادة من المسار الديمقراطي الجديد. وبعيداً عن العواطف والحماس الحزبي أو أي انتماء سياسي لأي تيار، لابد من النظر في قانون الأحزاب السياسية، هذا القانون الذي يسمح لكل من هب ودب أن ينشئ حزباً سياسياً، ومجرد إرسال الأوراق المطلوبة إلى لجنة تأسيس الأحزاب نجد أن عدداً كبيراً من هذه الأحزاب نشأ بنظام الإخطار، فبعد المدة المحددة قانوناً وقبل أن تنتهي اللجنة من البت، يكون الموعد المحدد قد انتهى وبذلك ينشأ الحزب بالإخطار، وهنا جاءت الكارثة فقد بلغ عدد الأحزاب السياسية في مصر ما يزيد على مائة وأربعة أحزاب. وليس معنى ذلك أنني أرفض تأسيس الأحزاب، ولكن هناك ضوابط مهمة في هذا الشأن، لم يتم العمل بها حتى الآن وسوف أتحدث عنها لاحقاً إن شاء الله.
وبالنظر في برامج الأحزاب السياسية التي نسمع عنها أو التي لا نسمع لها صوتاً نجدها متشابه جداً.. ووصل الحال بنا أن نجد شقة صغيرة عليها لافتة للحزب الفلاني أو العلاني، وليس لها شعبية أو أرضية وتلك هي المصيبة الأعظم.
ولذلك يجب أن يتم دمج الكثير من هذه الأحزاب في ثلاثة أو أربعة أحزاب ولتكن لليمين واليسار والوسط على سبيل المثال. وهذا يقودني بالضرورة إلى قانون الأحزاب السياسية الألماني الذي تستند إليه كل أحزاب أوروبا أو هو المرجع الرئيسي لهذه الأحزاب، سنجد أن هناك شروطاً مهمة جداً أولها وجود قواعد لهذا الحزب أو ذاك على الأرض، وبمعنى أوضح لا توجد أحزاب هامشية أو برامجها تتشابه مع أحزاب أخرى. وهذا ما يدعوني إلى طلب ضرورة إعادة النظر في قانون الأحزاب المصري.
للأسف أن رؤساء الأحزاب الحاليين الذين يعلقون لافتات على شقق صغيرة، بات همهم الأول أن يكون لهم مقعد في البرلمان، وقد لمست ذلك جيداً أثناء الحوار الوطني، عندما تم عرض عشرين حزباً بورقة عمل غريبة كان الهدف الرئيسي منها هو تخصيص مقاعد لهم في البرلمان.
أليست هذه مصيبة، أن يطلب صاحب شقة صغيرة عليها لافتة حزب تخصيص مقعد في البرلمان، ولا أحد يسمع أو يعرف شيئاً عن هذا الحزب. كل هذه الأمور المعوجة تتطلب تدخلاً فورياً بإعادة النظر في قانون الأحزاب السياسية خاصة فيما يتعلق بالبرامج المتشابهة أو الأحزاب التي لا تتمتع بشعبية على الأرض.
وهذا ما يدعوني بالضرورة إلى ضرورة التعجيل بهذه الكيانات الحزبية وضمها في ثلاثة أو أربعة أحزاب على أكثر تقدير كما قلت من قبل، حتى تتم الاستفادة الحقيقية من المسار الديمقراطي الجديد الذي تنتهجه الدولة المصرية حالياً، في ظل الإرادة السياسية لتفعيل الحياة الحزبية.
«وللحديث بقية»
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية