مسلسل «الأسطورة» قذف فى وجوهنا أنواعا من الجرائم الموجودة بالفعل فى المجتمع معجون بالفن الجاذب والموهبة البكر والقبول التلقائى.. ملامحة مصرية أصيلة مرسومة فى وجوه شباب جيله.. نجم السنوات القادمة بلا منازع إذا أحسن الاختيار .. أحبه وأتابع أعماله كمشاهد وليس كناقد.. ولكن ينقصه التدقيق لإعلاء شأن رسالة الفن كأهم أدوات إشاعة الوعى والتنوير.. فن ينحاز للقيم والأخلاق ولا يجرنا إلى دوامات العنف المفرط والإيذاء الزائد.. هو «محمد رمضان». مسلسل «الأسطورة»، قذف فى وجوهنا أنواعا من الجرائم الموجودة بالفعل فى المجتمع، لكنه ألبس الشر ثوب البراءة، وضخّم أباطرة الفساد والسطوة، وكأنهم سلطة مهيمنة فوق المجتمع والدولة والقانون، يقتلون ويتاجرون فى السلاح بمنتهى السهولة، وينعمون بفسادهم، وتنحنى لهم الرءوس والقامات، ويحركون مواكب القتل وكأنها نزهة خلوية، ثم يعودون إلى قواعدهم سالمين، إلا إذا اعترض طريقهم بلطجية آخرون «كبار»، فتسود الفوضى العارمة، وتتساقط الجثث على طريقة الأفلام الهندية. لا اعتراض على تجسيد الجرائم المخيفة، التى طفحت فى المجتمع فى السنوات الأخيرة، وبعضها تتم بوحشية مرعبة، وآخرها اغتيال رجل أعمال وراهبة، يوم الوقفة على طريق إسكندرية الصحراوى، فى معركة بالآلى المحظور استخدامه.. ولا اعتراض على تمثيل مشاهد التجريس وإلباس الرجال قمصان النوم، فهذا حدث على أرض الواقع فى نفس الأسبوع فى حلوان والفيوم.. ولا اعتراض على تجسيد فرق الـ«بودى جارد» بعضلاتهم المفتولة وعقولهم المغيبة ومناظرهم الكئيبة، فنحن نشاهد مثلهم يحرسون رجال أعمال وفنانين وأصحاب نفوذ.. ولا أعتراض على وجود ضابط شرطة منحرف يشارك الفاسدين، فقد سقط فى السنوات الأخيرة ضباط وأمناء شرطة من نفس النوع .. فالفن الحقيقى هو الذى ينفذ إلى القاع ويغوص فى الأعماق ويقدم شهادات منصفة. الاعتراض على أن يكون الفن مستخفا بالعقول والقيم والمبادى والأخلاق، ومنحازا للفوضى والهمجية وغياب العدالة والقانون، فيضفى على المجرم «ناصر الدسوقى» مسحة إنسانية صافية، تجعل المشاهد يتعاطف معه، وهو يقتل خصمه بالرصاص فى بير السلم، ويخنق زوجته فى الفراش بسبب شائعة مغرضة، ويفجر رأس صديقه وولى نعمته برصاصة نافذة فى الجبهة، وفى كل مرة تسقط دموع البراءة من عينيه، وتكتسى ملامحه بالطفولية والطهر والنقاء، فيظهر فى صورة القاتل الطيب الرحيم، الذى يحبب الناس فى الثأر، وإزهاق الأرواح وسفك الدماء.. ويا ويلنا حين يتحول الفن إلى رصاصة طائشة، تخرج من فوهة بندقية إلى حيث لا ندرى. غاب عن هذا المسلسل الطويل العريض، أن يبث رسائل تنويرية تحض على كراهية العنف، وتؤصل مفهوم العقاب والردع، فكما يوجد فاسدون لهم ذراع طولى، توجد أجهزة أمنية ورقابية لها قوة باطشة، والضابط المنحرف مجرد بقعة سوداء يتم التخلص منها ولو بعد حين، وفوق هذا وذاك فمن الظلم تجسيد الواقع وكأننا نعيش فى مقاطعة شاردة، يدير أمورها مجموعة من الأشقياء، يمتلكون أفخم القصور وأفخر السيارات ومئات الملايين من الدولارات، ويستطيع الأسطورة الهلفوت أن يصبح بين يوم وليلة الحاكم الآمر الناهى. فريد شوقى ومحمود المليجى واستيفان روستى لعبوا أدوار الشر، ولكن لم تغب عنهم أبدا رسالة الفن السامية النبيلة، ولذلك عاشوا ولمعوا وتوهجوا، أما محمد رمضان صاحب الشعبية رقم واحد الآن، فيحرق نفسه بنفسه بقبوله أدوارا تهبط به إلى القاع وتبتعد به عن القمة، ويفقد كل يوم قطاعات كبيرة من جمهوره المحترم، الذى يبحث عن فن راق يضاف إلى رصيد الفن المصرى، من نجم يمتلك مواهب خارقة وإمكانيات واعدة، لكنه يصر على أن يأخذنا إلى جانب مظلم، يثير الفزع والاشمئزاز وتواتر الأعصاب. محمد رمضان .. أرجوك لا تسلم نفسك لمن يسىء استخدام موهبتك من مؤلفين وسيناريست ومنتجين، كل همهم جذب أكبر عدد من المشاهدين، فى ساحات مصارعة الديوك.