ابنة الشيخ مجيب الرحمن، أول رئيس لبنجلاديش والذي قاد بلاده إلى الاستقلال عام 1971، سافرت حسينة إلى الهند، حيث ولدت عام 1947 وحصلت على اللجوء عام 1975، بعد أن تسبب الانقلاب العسكري في مقتل معظم أفراد عائلتها.
في مثل هذا الشهر، قبل 49 عامًا، قُتل والدها ووالدتها وإخوتها الصغار و15 شخصًا آخرين بالرصاص فيما أطلق عليه «جرائم منتصف الليل». كانت حسينة وزوجها وشقيقتها الشيخة ريحانة مسافرين في ألمانيا في ذلك الوقت، وبالتالي نجوا.
ومن عجيب المفارقات أن حسينة، التي أطاحت بها ثورة طلابية، بينما كانت تدرس الأدب في جامعة دكا، اكتسبت شهرة كزعيمة طلابية وناشطة نسوية. ثم عادت إلى بنغلاديش من منفاها الذي دام ستة أعوام في الهند في عام 1981، بعد انتخابها زعيمة لحزب رابطة عوامي الذي كان ينتمي إليه والدها الراحل.
انضمت حسينة إلى امرأة سجنتها فيما بعد: خالدة ضياء، زعيمة الحزب الوطني البنجلاديشي، وأرملة ضياء الرحمن، الضابط العسكري والسياسي الذي شغل منصب الرئيس من عام 1977 حتى اغتياله في عام 1981. وبإظهار ذكي للوحدة، على الأقل ظاهريًا، قادت المرأتان انتفاضة جماهيرية مؤيدة للديمقراطية في عام 1990 والتي أجبرت الرئيس المستبد حسين محمد إرشاد، وهو جنرال استولى على السلطة في عام 1982، على الاستقالة.
انزلقت المرأتان إلى منافسة شرسة قبل الانتخابات التي نتجت عن ذلك، وكانت ضياء هي التي فازت بالسلطة في انتخابات عام 1991. قادت حسينة رابطة عوامي إلى النصر في عام 1996، ثم استعادت ضياء رئاسة الوزراء في انتخابات عام 2001. وفي تلك السنوات من الاضطرابات، كانت حسينة هي التي قضت بعض الوقت في السجن بتهمة التآمر.
في إشارة إلى اللقب التقليدي الذي يُطلق على النساء المسلمات، أطلقت وسائل الإعلام البنجلاديشية على هذه المعركة اسم «معركة البيجوم»، ولكن مع تولي حسينة السلطة من عام 2009 وحتى الانتخابات الخمسة التالية، بدأ المصطلح يتلاشى من الاستخدام. وبدا أن حسينة قد فازت. وحُكِم على ضياء، التي كان زوجها الراحل منافسًا شرسًا لوالد حسينة على لقب «مؤسس الأمة»، بالسجن لمدة 17 عامًا بتهمة الفساد في عام 2018.
وباعتبارها رئيسة للوزراء، اتخذت حسينة خطوات كبرى في نقل بنجلاديش إلى الساحة الاقتصادية العالمية. وقد حظيت بإشادة دولية لجهودها في جلب الاستقرار إلى البلاد ولعملها الحاسم في التصدي للتطرف الإسلامي.
وحظيت حسينة بإشادة عالمية باعتبارها شخصية إنسانية لاستقبالها مليون لاجئ من الروهينجا في بنجلاديش والذين تدفقوا عبر الحدود في عام 2017 في محاولة يائسة للهروب من الهجمات الإبادة الجماعية التي شنها جيش ميانمار.
وبفضل حصولها على تمويلات تنمية ضخمة من البنك الدولي وغيره، تمكنت حسينة من المضي قدماً في مشاريع البنية الأساسية واسعة النطاق والتحول الرقمي. وفي الفترة بين عامي 2009 و2023، نما اقتصاد بنجلاديش بمعدل 6% سنوياً وانخفضت مستويات الفقر.
لقد شعر الأثرياء في المقام الأول بفوائد النمو الاقتصادي الذي حققته حكومتها ــ الذين نمت ثرواتهم بمعدل من بين الأسرع في العالم ــ في حين عانى الجميع من ارتفاع تكاليف المعيشة. وقد أدى هذا الظلم إلى احتجاجات الطلاب ضد حسينة ونظام الحصص، الذي حرم العديد منهم من الوظائف الحكومية بعد أن اضطروا إلى تمويل دراستهم الجامعية بأنفسهم.
في العام الماضي، تعهدت بتحويل بنجلاديش إلى «دولة مزدهرة ومتقدمة»، ولكن مع وجود حوالي 18 مليون شاب عاطل عن العمل، بدا الوعد ضعيفًا. وقد شوهت انتهاكات حقوق الإنسان في بنجلاديش التي كانت تنزلق إلى الاستبداد سلطتها بشكل متزايد. وتزايدت التقارير عن عمليات القتل خارج نطاق القضاء، وسجن واختفاء الصحفيين وشخصيات المعارضة، والفساد والاستيلاء على الثروات من قبل حكومتها وشركائها.
حسينة لم تتفاوض مع الطلاب، بل أصرت على موقفها بعناد، حتى تصاعدت حدة الاضطراب، وفي منتصف يوليو أطلقت على المعارضين لنظام الحصص وصف «الرازاكار» ـ وهو مصطلح مهين يصف أولئك الذين تعاونوا مع القوات الباكستانية في حرب التحرير، وليس بعيداً عن وصف «الخونة».
وبدأ الجناح الشبابي لحزب رابطة عوامي في ضرب المحتجين، وبدأت الشرطة في إطلاق النار ـ فقُتِل ما لا يقل عن 200 شخص، كثير منهم من الطلاب، ثم سعى المتظاهرون إلى الاعتذار أولاً، ثم إلى استقالتها. ولكنها تمسكت بموقفها؛ فتصاعد العنف. ولم تظهر حسينة أي علامة على التنازل، حتى أبلغها الجيش بأن موقفها أصبح غير قابل للاستمرار، فغادرت منصبها، متجهة إلى الهند. ولا أحد يعرف أين تستقر في نهاية المطاف.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية