تبقى مصر تاريخياً الوسيط الأقوى في النزاعات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بـ القضية الفلسطينية، ويتعاظم دور القاهرة بعد زيادة حدة التوترات الحالية، وإصرار إسرائيل على توسيع بؤرة الصراع، مما يندر باشتعال حرب شاملة لا تحمد عقباها في الشرق الأوسط.
ممارسات الاحتلال الاستفزازية في المنطقة، خاصة بعد إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الاحتفاظ بالسيطرة على محور فيلادلفيا تمثل نهجاً استعمارياً ترفضه مصر، وانتهاكا صريحاً لاتفاقية السلام بين البلدين.
تبلغ مساحة محور فيلادلفيا – ويطلق عليه أيضا محرر صلاح الدين – 14 كيلومتراً، وهو شريط حدودي ضيق على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، ويفصل بين الأراضي الفلسطينية وشبه جزيرة سيناء، ويمتد من البحر المتوسط شمالاً وحتى معبر كرم أبو سالم جنوباً، حيث نقطة التقاء الحدود بين مصر وغزة ودولة الاحتلال.
المحور الذي يبلغ عرضه مئات الأمتار أنشئ عليه معبر رفح البري الذي يعد الشريان الرئيسي وبوابة الغزيين للعالم الخارجي.
وظهرت هذه المنطقة العازلة إثر معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 بهدف إنشاء منطقة عازلة بين الطرفين على طول الحدود، وسمحت الاتفاقية بنشر قوات محدودة لمنع التهريب والتسلل، وتم التأكيد على الأمر نفسه خلال اتفاقية أسلوا عام 1995، وفي سبتمبر 2005 تم توقع اتفاق فيلادلفيا بين مصر وإسرائيل، وتضمنت نشر قوات مصرية قوامها 750 جندياً من حرس الحدود المصري وأتاحت الاتفاقية وجود مراقبين من الأمم المتحدة.
ومنذ انطلاق عملية طرفان الأقصى من السابع من أكتوبر الماضي، ظهر محور فيلادلفيا في قلب الحدث من جديد بسبب رغبة الكيان الصهيوني في احتلاله بكافة السبل حتى أحكمت قبضتها عليه، واعتبر نتنياهو أن السيطرة على المحور تأتي ضمن إنجازات جيش الاحتلال في قطاع غزة.
واشتدت هوة الخلاف في دوائر صنع القرار الإسرائيلي بسبب احتلال محور فيلادلفيا بين مؤيد ومعارض، وبين رئيس الوزراء والمفاوضين الإسرائيليين، إثر تمسكه ببقاء الجيش الإسرائيلي وعدم مغادرته للمحور.
وأخيرا قرر مجلس الوزراء الإسرائيل المصادقة على خرائط تحدد بقاء جيش الاحتلال من محور فيلادلفيا.
باختصار.. الإصرار الإسرائيلي على التواجد في محور فيلادلفيا يعد انتهاكا صريحاً للاتفاقيات والمواثيق الدولية وترسيخاً وتقنيناً للاحتلال، وفي الوقت نفسه فإن القاهرة متمسكة بموقفها الثابت والذي لن تحيد عنه برفضها القاطع لبقاء قوات إسرائيلية على الجانب الآخر لمعبر رفح، وأن المسألة غير قابلة للنقاش لارتباطها الوثيق بالأمن القومي للبلاد.
إصرار إسرائيل على استمرار احتلال محور فيلادلفيا يمثل تحدياً كبيراً في طريق التهدئة ومساعي السلام ووقف إطلاق النار وحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
الاحتلال يحاول فرض سياسة الأمر الواقع، لكن محاولاتها سوف تبوء بالفشل، ونحن نؤكد أن مصر قادرة على الدفاع عن أمنها القومي وسيادتها وحدودها.. محور فيلادلفيا غير قابل للتفاوض.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية