يبدو أن القدر كتب على أبنائنا الطلاب أن يكونوا حقل تجارب على مر السنين.. ففي الدول المتقدمة هناك إستراتيجية ثابته تحكم العملية التعليمية لا تتوقف عند مرحله معينة.. بل إن هذه الإستراتيجية تتضمن الرؤية والرسالة والأهداف والمناهج خلال السنوات القادمة.. والتغيير في هذه الدول مستمر ولا يتوقف على عنصر أو عنصرين من المنظومة التعليمية، ولكنه يشمل جميع العناصر بما فيها المناهج لكن الأمر يتم تطبيقه طبقا لإستراتيجية ورؤية مدروسة وعلى مراحل متدرجه بعد التطبيق التجريبي الذي يخضع لعمليات تقييم واسعة.
والأهم من هذا أن إستراتيجية التغيير لا ترتبط بوزير خرج من منصبه أو وزير جديد يتولى المسئولية.. لكنها منظومه لا تعتمد على الأشخاص.
هذا ما يحدث في الدول المتقدمة أما في مصر فالوضع مختلف.. وللإنصاف فإن هذا الاختلاف ليس وليد اللحظة ولا المرحلة التي نعيشها.. فمسألة تحويل طلابنا إلى حقل تجارب وإجراء تغييرات جوهرية في المنظومة التعليمية هو أمر مستمر منذ عقود حتى أنني ما زلت أذكر مسألة إلغاء صف كامل من العملية التعليمية وهو الصف السادس ثم عودته من جديد حتى أن التغييرات الجوهرية في المنظومة التعليمية في ذلك الوقت كانت ضحية للخلافات الشخصية بين الدكتور فتحي سرور والدكتور حسين كامل بهاء الدين.. فالنظام التعليمي عندنا لا يخضع لإستراتيجية ثابتة وإنما يتغير بتغير الوزراء فكل وزير يأتي في المنصب يحاول اختراع العجلة ليبدأ من جديد طبقا لرؤيته الشخصية هو ومن يستعين بهم في المرحلة التي يتولى فيها المسؤولية.
لذلك لم تكن القرارات التي فاجأنا بها وزير التعليم الجديد مستغربه.. فهذا أمر طبيعي يحدث في مصر مع كل وزير جديد.. لكن الشيء الغريب والمثير فيما حدث لم يكن له علاقة بمبدأ التغيير الذي تعودنا عليه.. ولكن الأمر هنا يتعلق بالطريقة والأسلوب قبل طبيعة التغيير والقرارات المنظمة له.
على مدار أكثر من 17 عاما قضيتها محررا لشئون مجلس الوزراء تابعت عن قرب كيفية إدارة المنظومة التعليمية.. اقتربت أكثر من المرحوم الدكتور عاطف عبيد عندما كان رئيسا للوزراء.. تحدثت معه بكل صراحة حول الوضع الذي وصلنا إليه بالرغم من الآمال والأحلام الكبيرة التي نتطلع إليها في العملية التعليمية.
تحدثت مع الدكتور عاطف عبيد حول أوضاع التعليم في مصر والطريق إلى الإصلاح.. فكانت إجابته شافية ووافية.. قال لي التعليم مدخلات ومخرجات ومسألة الإصلاح الشامل عمليه صعبه ومعقده حتى لو وجهنا الجزء الأكبر من الميزانية إلى التعليم كما فعلت سنغافورة وماليزيا.. وكانت رؤيته ببساطة تأسيس تعليم موازي بمدخلات ومخرجات مختلفة وهو ما تم ترجمته في تجربة مدارس المستقبل التي تبنتها حرم الرئيس وبدأت بإنشاء مدرسة في كل محافظة ونجحت نجاحا كبيرا وتم التوسع فيها بشكل مدروس لكنها سقطت في أعقاب الثورة وأصبحت مدارس عادية بل أسوأ.
كنت أتمنى أن يتمهل وزير التعليم الجديد في قراراته ويقرأ ويدرس التجارب السابقة حتى يبدأ تجربته الجديدة.. كنت أتمنى أن يقرأ ويستفيد من خبرات من سبقوه لأنه لو فعل هذا ما كانت هذه القرارات الجوهرية والسريعة وما صدرت بهذه الطريقة الغير معقولة وهو ما سنتناوله في المقال القادم إن شاء الله.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية