غزة، الشريط الساحلي الصغير المحاصر من جميع الجهات، تتعرض منذ سنوات لتصعيدات متكررة وأزمات إنسانية مستمرة. الحروب المتعاقبة والقصف المتكرر والحصار الاقتصادي تركت آثاراً جسيمة على كل جانب من جوانب الحياة في هذا القطاع الصغير. ومع اشتداد المعاناة، يتساءل الكثيرون: ماذا تبقى من غزة؟
الحياة اليومية في غزة أصبحت نضالاً مستمراً من أجل البقاء، حيث يكافح السكان لتأمين احتياجاتهم الأساسية وسط ظروف صعبة وغير مستقرة. يواجه السكان تحديات في الحصول على الغذاء الكافي بسبب الحصار وإغلاق المعابر والحياة تحت القصف المتواصل لتتار العصر من الصهاينة، مما يجعل من الصعب على العائلات تأمين قوت يومهم. ومع ذلك، تظل روح التحدي والصمود حاضرة بين أبناء غزة، الذين يبذلون قصارى جهدهم للتكيف مع هذه الظروف.
الإحصائيات التي صدرت بالأمس عن وزارة الصحة الفلسطينية كشفت ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة إلى 43508 شهداء و102684 مصابا، منذ انطلاق طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي.
جيش الاحتلال الصهيوني حول غزة إلى أرض لا يمكن العيش فيها، والبقاء على أرضها أصبح بالنسبة لأهلها أشبه بالمهمة المستحيلة، فالموت إليهم أسبق من رمشة العين، والشهادة دائما أخر ما تنطق به ألسنتهم، فالفقدان بات السمة الأساسية للحياة التي صبغت بلون دماء الشهداء ورائحة المسك التي يفوح عبيرها إلى السماء.
تعاني غزة من دمار كبير في البنية التحتية، حيث تضررت شبكات المياه والكهرباء والطرق والمباني بشكل كبير جراء القصف المتكرر. الكهرباء في القطاع أصبحت رفاهية لا ينعم بها أحد، إذ تصل لساعات محدودة في اليوم، مما يؤثر على جميع نواحي الحياة، بدءاً من المستشفيات ووصولاً إلى المنازل.
كما أن المياه، وهي شريان الحياة، تشهد أزمة كبيرة في القطاع، حيث أن نسبة كبيرة من المياه غير صالحة للشرب. إن تدمير شبكات المياه وتلوث مصادرها جعلت من الصعب الحصول على مياه نظيفة، مما زاد من انتشار الأمراض والأوبئة.
الوضع الاقتصادي في غزة كارثة طالت جميع سكان القطاع من الفقر والبطالة، حيث لم يتمكن الاقتصاد المحلي من التعافي بسبب الحصار المفروض عليه منذ أكثر من عقد. فالشركات المحلية تعاني من نقص في الموارد، والشباب يواجهون صعوبة في العثور على فرص عمل، مما يدفع العديد منهم إلى مغادرة القطاع بحثاً عن حياة أفضل، وهو أمر شبه مستحيل بسبب القيود المفروضة على الحركة.
ما تبقى من المستشفيات في غزة، والتي تحولت إلى مراكز إيواء ولم تسلم من القصف والمقابر الجماعية، تعمل تحت ضغط كبير وبموارد محدودة، حيث تعاني من نقص في الأدوية والمعدات الطبية اللازمة. ومع ازدياد الإصابات جراء الاعتداءات الإسرائيلية والحروب المتكررة، أصبحت المستشفيات غير قادرة على تقديم الرعاية اللازمة لجميع المرضى والمصابين. هذا النقص يؤثر أيضاً على مرضى الحالات المزمنة والأطفال الذين يحتاجون لرعاية خاصة.
رغم كل الصعوبات، لا تزال غزة تحتفظ بجانب إنساني مشرق، فالسكان يتميزون بروح التضامن والتكاتف. تعمل الجمعيات الخيرية المحلية وبعض الجمعيات الدولية على توفير بعض الاحتياجات الأساسية للسكان، من أجل مقاومة الحياة.
باختصار.. تبقى غزة رغم ما أصابها من دمار شامل رمزاً للصمود أمام قسوة الحياة والحصار. ورغم أن الأوضاع في القطاع صعبة إلى حد لا يوصف، إلا أن سكان غزة أثبتوا قدرتهم على التحمل والتكيف مع هذه الظروف.
ومع كل تحدٍّ جديد، يتجدد الأمل في أن يأتي اليوم الذي تنتهي فيه معاناة غزة ويعود لأبنائها حقهم في العيش بكرامة وحرية.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية