رغيف الخبز رمز الحياة اليومية للمصريين، وارتباطه بحياتهم يمتد عبر التاريخ، يُعرف بـ«العيش»، وهي كلمة تعكس قيمته الأساسية كعنصر غذائي أساسي في كل بيت مصري، وتجسد ارتباطه الوثيق بمعيشة الناس.
ورغيف الخبز له أبعاد تاريخية، فكان مكونًا أساسيًا في الحضارة المصرية القديمة، حيث أُنتج بأشكال متعددة واستخدم كعملة في بعض الأحيان، وظل حاضرًا في كل العصور، يُمثل جزءًا من الثقافة الغذائية المصرية.
في المجتمع المصري، الخبز هو عنصر لا غنى عنه على مائدة الطعام، بغض النظر عن مستوى الدخل، ويعتمد عليه ملايين المصريين كغذاء رئيسي بجانب الأطباق الأخرى، ما يجعله رمزًا للوحدة الاجتماعية.
الخبز المدعوم هو جزء من سياسات الدولة لضمان الأمن الغذائي وتخفيف الأعباء عن الأسر ذات الدخل المحدود.
وأي تغيير في سعر أو توافر الخبز يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل واسعة بين الناس، مثلما حدث في «انتفاضة الخبز» عام 1977.
وثقافياً تم استخدام كلمة «عيش» للإشارة إلى الخبز مما يعكس أهمية دوره في حياة المصريين.
أزمة الخبز في مصر حاليا، تعكس تحديًا اقتصاديًا واجتماعيًا متجددًا بسبب ارتباط الخبز بمفهوم «الأمن الغذائي» وقاعدة واسعة من المواطنين تعتمد على الدعم الحكومي لتلبية احتياجاتها اليومية.
في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية وتراجع قيمة العملة، ازدادت الضغوط على الحكومة لتوفير الخبز المدعوم بجودة وكميات كافية، مما أثار الجدل حول كيفية إدارة الدعم النقدي أو العيني.
الدعم العيني يتمثل في توفير السلع مباشرةً، مثل الخبز المدعوم، بأسعار رمزية، ويضمن وصول المنتج للمستهلك المستحق، ولكنه يواجه مشكلات مثل سوء التوزيع والفساد وتهريب الدقيق.
الدعم النقدي يُقصد به تحويل قيمة الدعم بشكل نقدي للمواطنين ليشتروا ما يحتاجون إليه، ويتميز بالمرونة وتقليل الهدر، لكن يتطلب نظامًا صارمًا للتحكم في التضخم وضمان عدم تلاعب التجار بالأسعار.
ويقف خلف الأزمة الحالية ارتفاع أسعار القمح عالميًا، ولأن مصر تعتمد بشكل كبير على الاستيراد، فإن هذا الأمر يجعلها عرضة لتقلبات الأسواق العالمية.
كما أن تراجع قيمة الجنيه المصري يؤدي إلى زيادة تكلفة الاستيراد وضغوط على الموازنة، بالإضافة إلى تزايد عدد السكان مما يزيد الطلب على الخبز المدعوم.
وتكمن الكارثة الحقيقية في آليات تحديات الفساد والتوزيع، بسبب تسرب الدعم لغير المستحقين وضعف الرقابة.
هناك حلول ممكنة لكنها تحتاج إلى ضوابط، حيث يمكن تحويل الدعم العيني إلى نقدي تدريجيًا مع وضع سقف لحماية الفئات الأكثر احتياجًا، ورقمنة منظومة الدعم لزيادة الشفافية وضمان وصوله لمستحقيه.
وتشجيع الإنتاج المحلي من خلال توسيع الرقعة الزراعية المخصصة لزراعة القمح، وتقديم حوافز للفلاحين لتحسين الإنتاجية، وإطلاق حملات توعية بأهمية تقليل الهدر، وتشديد الرقابة على المخابز لضمان الالتزام بحصص الإنتاج والجودة، كذلك تشجيع المواطنين على تقليل الاعتماد على الخبز وتوفير بدائل غذائية مدعومة.
باختصار.. الخبز مرتبط ارتباطا وثيقا بحياة جميع المصريين، لكنه أشد التصاقا بحياة الغالبية العظمى من أبناء الشعب والدعم النقدي الذي تتجه الحكومة لتطبيقه لن يفي باحتياجات الملايين من رغيف العيش الذي يعد جزءا كبيرا من وجباتهم.. بل يصل الأمر لأن يكون الغذاء الرئيس والأوحد للفقراء والمطحونيين الذين لا يعرفهم صندوق النقد وسقطوا من ذاكرة الحكومة ويتشبثون برغيف العيش من أجل الحياة.. «عض قلبي ولا تعض رغيفي».
الأزمة الحالية لرغيف العيش تتطلب رؤية متكاملة تعالج الأسباب الجذرية وتوازن بين الدعم المباشر وتحقيق استدامة مالية للدولة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا