مع إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله مؤخرًا، تتجه الأنظار إلى تحليل طبيعة هذه الهدنة وما إذا كانت خطوة نحو السلام أم مجرد تهدئة مؤقتة في ظل الظروف السياسية والعسكرية الراهنة.
هذا السؤال يفتح الباب أمام فهم أعمق لتوازنات القوى والمعادلات الإقليمية التي تتحكم في الصراع المستمر بين الطرفين.
بداية فإن الصراع بين لبنان وإسرائيل ليس مجرد نزاع حدودي أو عسكري، بل هو جزء من صراع أوسع بين إسرائيل ودول المنطقة. منذ قيام إسرائيل في 1948، شهدت العلاقات اللبنانية الإسرائيلية محطات من التوتر العسكري والسياسي، بدءاً من نكبة فلسطين، مروراً باجتياح لبنان عام 1982، وصولاً إلى المواجهات بين المقاومة اللبنانية (حزب الله) وإسرائيل التي تكررت في السنوات الماضية.
الهدنة تأتي في ظل تصعيد ميداني شهدته الحدود اللبنانية الإسرائيلية، مع اشتباكات متقطعة وتصعيد خطابي يعكس حالة من التوتر المستمر منذ عقود.
إسرائيل تواجه تحديات على عدة جبهات، بدءًا من غزة وحتى الجبهة الشمالية، بينما يعاني لبنان من أزمات سياسية واقتصادية خانقة، ما يجعل الطرفين حريصين على تجنب صراع شامل في هذه المرحلة.
يرى البعض أن الهدنة قد تكون فرصة لتخفيف التصعيد وفتح قنوات للحوار. فالدول الراعية، سواء الإقليمية أو الدولية، تسعى إلى منع انفجار الأوضاع في المنطقة، خاصة مع توجه عالمي نحو تهدئة النزاعات المستعصية.
إذا كانت هناك نوايا جادة من الطرفين، يمكن للهدنة أن تشكل أرضية لحوار مستقبلي، رغم أن السلام الشامل يتطلب تنازلات كبرى قد لا يكون أي طرف مستعدًا لتقديمها في الوقت الراهن.
من جهة أخرى، قد تُعتبر الهدنة استسلامًا مؤقتًا للأمر الواقع، خاصة إذا جاءت تحت ضغوط عسكرية أو سياسية.. بالنسبة لإسرائيل، قد تكون الهدنة فرصة لإعادة ترتيب الأوراق داخليًا، بينما يرى البعض أن حزب الله ربما وافق على التهدئة لتجنب استنزاف موارده في ظل وضع إقليمي ودولي معقد.
ويبقى أن نؤكد أن هناك تحديات أمام استدامة الهدنة تتمثل في:
* انعدام الثقة: التجارب السابقة تشير إلى أن أي اتفاق بين الطرفين يكون هشًا، نظراً لانعدام الثقة المتبادل.
* الأجندات الإقليمية: تدخل أطراف أخرى كإيران، الولايات المتحدة، ودول الخليج، قد يعقّد من فرص استقرار الهدنة.
* الضغوط الداخلية: كل من إسرائيل ولبنان يواجهان ضغوطًا داخلية قد تدفع إلى انهيار الاتفاق في حال تصعيد شعبي أو عسكري.
باختصار.. الهدنة بين إسرائيل ولبنان قد تكون خطوة باتجاه التهدئة، لكنها لا ترقى إلى مستوى السلام المستدام، ولا تعبر عن استسلام واضح.
هي أشبه بلحظة توقف مؤقتة في صراع طويل الأمد، تُحكمه المصالح والأجندات الدولية والإقليمية.
ما يحتاجه الطرفان، والمجتمع الدولي ككل، هو رؤية استراتيجية أوسع لإنهاء هذا الصراع بشكل جذري بدلاً من مجرد معالجة الأعراض.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا