منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، بات واضحًا أن سوريا ليست مجرد ساحة لصراع داخلي أو نزاع إقليمي محدود، بل جزء من مخطط أوسع يهدف إلى إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط وفق أجندات دولية وإقليمية.
مصطلح «الشرق الأوسط الجديد»، الذي برز في بداية الألفية، يتجدد الحديث عنه اليوم مع تطورات الأوضاع في سوريا، حيث تتداخل المصالح الدولية مع مشاريع التقسيم والهيمنة.
تعود فكرة «الشرق الأوسط الجديد» إلى أطروحات سياسية واستراتيجية ظهرت في التسعينيات من القرن الماضي، وتهدف إلى تقسيم المنطقة على أسس عرقية وطائفية بما يخدم مصالح قوى كبرى، ويعزز سيطرتها على مصادر الطاقة والممرات الاستراتيجية.
سوريا، بموقعها الجغرافي المميز وتنوعها السكاني، كانت ولا تزال في قلب هذا المخطط.
في وثائق متعددة وتحليلات سياسية، وُضعت سيناريوهات تُظهر أن زعزعة استقرار سوريا سيؤدي إلى خلق دويلات صغيرة على أسس طائفية وإثنية، وهو ما يمكن أن يعاد تطبيقه على دول أخرى في المنطقة.
وتُعد سوريا منصة للتغيير، فمع اندلاع الحرب فيها، تحوّلت البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية.
على أرضها، تلاقت المصالح الأمريكية والروسية والإيرانية والتركية، بالإضافة إلى أدوار إسرائيل وغيرها.
هناك العديد من الدول صاحبة مصلحة في إضعاف الدولة السورية كدولة مركزية، ومنها
* أمريكا وإسرائيل: تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إضعاف سوريا، لضمان أمن إسرائيل وتقليص نفوذ إيران في المنطقة.
ومن هنا، جاءت فكرة دعم الجماعات المسلحة في البداية، وفرض العقوبات الاقتصادية لاحقًا.
* روسيا وإيران: ترى موسكو وطهران في سوريا بوابة لتعزيز نفوذهما الإقليمي.
روسيا تسعى للحفاظ على قاعدتها في طرطوس، وإيران تعتبر سوريا جزءًا من «محور المقاومة».
* تركيا: تعتمد أنقرة على الأزمة السورية لتحقيق أطماعها التاريخية في المنطقة، مستغلة القضية الكردية لتحقيق أهداف مزدوجة تتمثل في إضعاف الأكراد من جهة، وفرض نفوذها في الشمال السوري من جهة أخرى.
والآن هناك العديد من المشاريع المطروحة لتقسيم سوريا، حيث يتردد الحديث عن سيناريوهات تقسيمها إلى ثلاث مناطق رئيسية: منطقة تحت سيطرة الحكومة المركزية، وأخرى للأكراد في الشمال الشرقي، وثالثة تخضع لنفوذ المعارضة المدعومة من تركيا.
وعوضًا عن التقسيم الرسمي، تعمل القوى الدولية على خلق مناطق نفوذ غير معلنة، تضمن لكل طرف مصالحه على المدى البعيد.
إذا نجح مخطط التقسيم في سوريا، فإن الأمر سوف يكون له تداعيات كبيرة على المنطقة، الأمر الذي قد يُلهم قوى دولية لإعادة تطبيقه في دول أخرى، مثل العراق ولبنان واليمن، مما يؤدي إلى سلسلة من النزاعات التي لا تنتهي.
كما أن هذه المشاريع تهدد النسيج الاجتماعي، وتدفع نحو موجات جديدة من الهجرة والتطرف.
باختصار.. الأفراح العارمة التي تجتاح محافظات سوريا بسبب إغلاق حقبة عائلة الأسد، ورحيل بشار بحكمه الديكتاتوري إلى غير رجعة، أفراح مستحقة، لكننا نأمل أن يكتمل النسيج الوطني في مواجهة مخططات التقسيم، وألا تنسيهم أفراحهم أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل احتلال المزيد من الأراضي السورية.
عموماً سوريا اليوم ليست فقط ضحية صراع داخلي، بل محور لمخططات أكبر تهدف إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط.
ومع استمرار الحرب دون أفق للحل، يبقى السؤال: هل ستتمكن سوريا من إفشال هذه المخططات، أم ستغرق المنطقة بأكملها في فوضى «الشرق الأوسط الجديد»؟
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية