السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط دائمًا ما تثير تساؤلات حول المعايير والاعتبارات التي تقف خلف قراراتها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الجماعات المسلحة أو الفاعلين من غير الدول.
ومن بين أبرز الأمثلة المثيرة للجدل، نجد التباين الواضح بين طريقة تعامل الولايات المتحدة مع أحمد الشرع الملقب بـ«أبو محمد الجولاني»، زعيم هيئة تحرير الشام في سوريا، وتعاملها مع جماعة الحوثي في اليمن.
رغم تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، بدا أن هناك تغييرًا تدريجيًا في التعامل الأمريكي مع الجولاني.
الولايات المتحدة تدرك أن هيئة تحرير الشام أصبحت لاعبًا رئيسيًا في سوريا، التي تشهد صراعًا معقدًا بين أطراف محلية ودولية.
في هذا السياق، قد ترى واشنطن أن الشرع يمكن أن يكون «شريكًا مرحليًا» لتحقيق الاستقرار، خاصة في مواجهة تنظيمات أكثر تطرفًا مثل «داعش».
ظهر الجولاني في مقابلات إعلامية يرتدي زيًا مدنيًا ويتحدث عن تخليه عن الفكر الجهادي العالمي.
هذا التغيير في الخطاب قد يُستخدم لتحسين صورته أمام المجتمع الدولي، وهو ما قد يمنح أمريكا فرصة لفتح قنوات غير مباشرة للتواصل.
في ظل تصاعد النفوذ الإيراني والروسي في سوريا، قد ترى واشنطن أن تسهيل التفاهم مع هيئة تحرير الشام يخدم مصالحها في الحد من تأثير تلك القوى.
على العكس، اتخذت الولايات المتحدة موقفًا أكثر تشددًا تجاه جماعة الحوثي، التي تصنفها كمنظمة إرهابية وتفرض عليها عقوبات مشددة.
الحوثيون يُعتبرون أداة إيرانية لتوسيع نفوذ طهران في شبه الجزيرة العربية، ويشكلون تهديدًا مباشرًا لحلفاء أمريكا، خاصة السعودية والإمارات. الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على البنية التحتية والمنشآت النفطية الخليجية زادت من صرامة الموقف الأمريكي.
تهديد الحوثيين للممرات البحرية، خاصة مضيق باب المندب، يجعل موقف واشنطن أكثر حساسية تجاههم نظرًا لاعتماد الاقتصاد العالمي على استقرار تدفق النفط.
الحوثيون يواجهون اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك استخدام المدنيين دروعًا بشرية وتجنيد الأطفال. هذه الانتهاكات تضعهم في موقف صعب أمام الرأي العام الدولي، مما يسهل تبرير الضغط عليهم.
قد يبدو هذا التباين في التعامل تعبيرًا عن ازدواجية معايير، لكن من منظور السياسة الواقعية، تُفضل الولايات المتحدة غالبًا اتخاذ قراراتها بناءً على المصالح الاستراتيجية وليس المبادئ الثابتة.
التعامل مع الشرع برفق قد يُفسر كجزء من سياسة «الاحتواء»؛ إذ تسعى واشنطن لتقليص نفوذ الأطراف الأكثر تشددًا أو الأكثر ولاءً لإيران وروسيا.
جماعة الحوثي، بدعمها المباشر من إيران، تمثل تهديدًا لحلفاء واشنطن الإقليميين، وهو ما يجعل استراتيجيات الردع والعقوبات أولوية.
باختصار.. التباين بين طريقة تعامل أمريكا مع الشرع والحوثي يعكس تعقيدات السياسة الدولية التي لا تعتمد على مبادئ ثابتة بقدر ما تركز على تحقيق المصالح.
وبينما قد يبدو هذا التوجه متناقضًا، إلا أنه يعكس الطبيعة البراغماتية للسياسة الأمريكية، حيث تتغير الأولويات والنهج حسب السياق الجيوسياسي والمصالح طويلة الأمد.