تزايدت محاولات إسرائيل خلال السنوات الأخيرة للضغط على مصر في مختلف القضايا الإقليمية، كان أبرزها محاولة جرها إلى المعترك اليمني.
هذه المحاولة ليست وليدة اللحظة، بل هي جزء من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تغيير موازين القوى في المنطقة العربية، خصوصاً في ظل تزايد التوترات في اليمن وتنامي الدور الإيراني في المنطقة.
تعيش منطقة الشرق الأوسط حالة من عدم الاستقرار المستمر، حيث تزايدت النزاعات في عدة بؤر ساخنة، من بينها اليمن.
هذا البلد، الذي يعاني من حرب أهلية مستمرة منذ عام 2014، شهد تدخلات إقليمية ودولية معقدة، وأصبحت الساحة اليمنية ساحة مواجهة بين مختلف القوى الإقليمية والدولية.
إسرائيل، ومن خلال تحالفاتها مع بعض الدول الخليجية، لا ترغب في أن ترى إيران تهيمن على الساحة اليمنية.
في المقابل، مصر تعد لاعباً إقليمياً مهماً وذات وزن استراتيجي في العالم العربي، ما يجعلها هدفاً للضغط الإسرائيلي، في محاولة لتوسيع دائرة التحالفات ضد النفوذ الإيراني في المنطقة.
إسرائيل تحاول إقناع مصر بزيادة تدخلها في النزاع اليمني، إما بشكل مباشر أو من خلال دعم بعض الأطراف المتحاربة التي تتقاطع مصالحها مع إسرائيل.
ولكن مصر، التي تتمتع بعلاقات تاريخية مع إيران وحريصة على الحفاظ على توازناتها في المنطقة، قد تتردد في اتخاذ خطوات متقدمة بهذا الاتجاه.
من ناحية أخرى، تواصل إسرائيل تقوية علاقاتها مع دول الخليج، حيث تكمن رغبتها في تشكيل جبهة إقليمية لمواجهة النفوذ الإيراني في اليمن وبقية المنطقة.
ومع تصاعد التهديدات الإيرانية على الأمن الخليجي والإسرائيلي، قد تجد مصر نفسها في موقف صعب، بين الانخراط في تحالفات جديدة أو الحفاظ على سياستها التقليدية من الحذر والموازنة.
مصر تمتلك تاريخاً طويلاً في المشاركة في النزاعات الإقليمية، فقد كانت لها تجارب سابقة في التدخل العسكري في اليمن خلال الخمسينيات من القرن الماضي.
ورغم أن الظروف الحالية تختلف، إلا أن وجود تحالفات سياسية وعسكرية في منطقة الخليج قد يدفع مصر إلى إعادة النظر في دورها في هذا الصراع.
إذا انضمت مصر إلى النزاع في اليمن، فقد يكون ذلك في إطار دعم الشرعية اليمنية التي تقودها الحكومة المعترف بها دولياً، والتي تدعمها السعودية والتحالف العربي.
ولكن هذا التدخل قد يؤدي إلى تفاقم الصراع، مما يجعل مصر في مواجهة مباشرة مع قوى إقليمية مثل إيران وحلفائها في المنطقة.
التدخل المصري في اليمن قد يعكس تغيراً في موازين القوى الإقليمية. يمكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى تقوية جبهة التحالف العربي ضد الحوثيين، لكن في الوقت نفسه، قد تثير التوترات مع إيران وحلفائها، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة. كما أن هذا التدخل قد يضع مصر في موقف يتطلب منها مواجهة تحديات دبلوماسية كبيرة مع القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا.
علاوة على ذلك، فإن أي تحرك مصري في هذا السياق قد يكون له تأثير مباشر على العلاقات المصرية مع باقي دول المنطقة، خصوصاً الدول التي تسعى لتحقيق توازن مع إيران، مثل تركيا وقطر.
وتأكيداً لموقف مصر الثابت، نفى مسؤول مصري، أمس الأحد، صحة ما ورد في تقارير إعلامية إسرائيلية حول «تحركات مصرية للتحضير لتدخل عسكري في اليمن».
وأشار المسؤول، وفقاً لتصريحات نقلتها قناة القاهرة الإخبارية، إلى أن هذه التقارير وما تحمله من معلومات مضللة لا تمت للواقع بصلة.
التقارير الإسرائيلية كانت قد ادعت أن مصر «تستعد لضرب الحوثيين بعد تعرضها لخسائر اقتصادية كبيرة نتيجة تزايد المخاطر على قناة السويس، التي تشكل محوراً أساسياً للتجارة العالمية».
باختصار.. محاولات إسرائيل جر مصر إلى معترك اليمن ليست مجرد محاولة إقليمية عابرة، بل هي جزء من لعبة كبيرة من المصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل للحد من نفوذ إيران في المنطقة، تتحرك مصر بحذر، مدفوعة بمصالحها الوطنية في تحقيق الاستقرار وحماية مصالحها الإقليمية.
تبقى الخيارات أمام مصر مفتوحة، ولكنها ستكون دائماً تحت تأثير موازين القوى الإقليمية والدولية المعقدة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا