في خطوة أثارت جدلًا واسعًا بين الأوساط التعليمية والأكاديمية في مصر، أعلن وزير التعليم المصري محمد عبد اللطيف، عن خطة جديدة لإعادة العمل بنظام «البكالوريا» في التعليم الثانوي.
هذه الخطوة جاءت تحت شعار «إصلاح التعليم»، لكنها لاقت انتقادات شديدة من خبراء تربويين ومتخصصين في الذكاء الاصطناعي، الذين وصفوها بأنها عودة للخلف في زمن يستدعي التفكير التقدمي والابتكار.
يرى وزير التعليم أن العودة إلى نظام البكالوريا، الذي طبق في مصر عام 1905 مع بداية القرن الماضي، واستمر العمل به لمدة 23 عاماً متواصلة، ستساهم في تحسين جودة التعليم من خلال تعزيز معايير صارمة للتقييم وإعداد الطلاب بشكل أفضل لمراحل التعليم العالي.
وتهدف خطة الوزير المعلنة إلى التركيز على المعارف الأساسية، ومحاربة الغش، وإحياء النظام الكلاسيكي للتعليم لضمان جودة المخرجات، وتعزيز القيم الوطنية والهوية الثقافية من خلال مناهج مركزة على التاريخ واللغة.
الوزير شدد على أن نظام البكالوريا سيكون منظمًا ومؤسسًا على تقييم شامل للمعرفة، وليس مجرد امتحان واحد يُحدد مصير الطالب.
واجه المشروع منذ اللحظة الأولى للإعلان عنه انتقادات موسعة بالعودة للماضي، وأن هذه الخطوة تحمل تجاهلاً صريحاً للتغيرات الهائلة التي طرأت على التعليم عالميًا، خصوصًا في ظل التحولات الرقمية.
وبرزت الانتقادات في عدة نقاط تتمثل في:
* الإغفال عن الذكاء الاصطناعي: الأنظمة التعليمية الحديثة تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتحليل قدرات الطلاب وتوجيههم نحو تخصصات تناسبهم.. والعودة إلى البكالوريا يعني تجاهل هذه الأدوات وتقديم نظام تقليدي لا يواكب العصر.
* تقديس الامتحانات النهائية: يُعتبر نظام البكالوريا قائمًا على تقييم موحد ونهائي، وهو ما يُنتقد عالميًا لتأثيره السلبي على الطلاب من حيث الضغط النفسي وتحجيم التفكير الإبداعي.
* الانفصال عن سوق العمل: في زمن يتطلب التعليم التركيز على المهارات العملية، مثل البرمجة والتفكير النقدي وحل المشكلات، فإن العودة لنظام تقليدي قد يؤدي إلى فجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.
* إهمال المهارات المستقبلية: في عصر يعتمد على مهارات مثل التفكير التحليلي، الابتكار، والعمل الجماعي، يركز نظام البكالوريا التقليدي على التلقين والحفظ.
التعليم في مصر بحاجة إلى دمج التكنولوجيا الحديثة في المناهج ونظم التقييم، واعتماد نظام تقييم مستمر وشامل يشمل المشاريع العملية والاختبارات الذهنية، تأهيل المعلمين والمدارس لاستيعاب التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
المصريون حظهم سيء جداً مع وزراء التعليم، الذين يتعاملون مع الطلاب بطريقة فئران التجارب، وبسبب الإحباط طويل الأمد تجاه السياسات التعليمية المتعاقبة التي غالبًا ما تكون عرضة للنقد بسبب عدم تحقيق تطلعات الشعب في نظام تعليمي عصري وفعال.
وأسباب الشعور الممتد بالإحباط هو غياب رؤية تعليمية شاملة حيث ركز معظم الوزراء على إصلاحات جزئية أو تجريبية، مما أدى إلى انعدام استمرارية السياسات التعليمية.
لم تُصاغ رؤية استراتيجية شاملة للتعليم تُنفَّذ على مدى طويل بغض النظر عن تغيّر الوزراء.
في كثير من الأحيان، تمحورت الإصلاحات حول التغيير في شكل المناهج أو نظام الامتحانات دون معالجة جوهر المشاكل، مثل تحسين البنية التحتية أو تدريب المعلمين.
وزراء التعليم غالبًا ما يقدمون خططًا إصلاحية فجائية تُطبّق بشكل سريع دون تجريب كافٍ أو إشراك جميع الأطراف المعنية (طلاب، معلمين، وأولياء أمور).
على الرغم من محاولات إدخال التكنولوجيا إلى التعليم (مثل نظام التابلت أو المنصات الرقمية)، عانت هذه المشاريع من سوء التخطيط والتنفيذ، مما زاد من الإحباط بدلاً من تحقيق التحول المنشود.
السياسات التعليمية غالبًا ما تجعل الطلاب وأسرهم في حالة من التوتر بسبب الاعتماد المفرط على الامتحانات النهائية (الثانوية العامة نموذجًا).
التعليم في مصر أصبح ساحة لتجارب متعددة، من تغيير أنظمة التقييم إلى استحداث مناهج جديدة، مما أدى إلى شعور بعدم الاستقرار لدى الطلاب وأسرهم.
المشكلة ليست في أشخاص الوزراء وحدهم، بل في طبيعة النظام الإداري والتربوي الذي يعيق تنفيذ أي إصلاح جذري.
الوزراء يواجهون تحديات هائلة مثل ضعف التمويل، البيروقراطية، وعدد الطلاب الكبير، ما يجعل أي إصلاح حقيقي مهمة شاقة.
إصلاح التعليم في مصر يحتاج رؤية متكاملة ومستدامة، وإشراك خبراء التعليم والمجتمع في صناعة القرار، والاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية مع مراعاة الظروف الواقعية للطلاب، والتركيز على مهارات التفكير النقدي والابتكار بدلًا من التلقين.
في النهاية، «سوء الحظ» يمكن تغييره، لكن ذلك يتطلب التزامًا طويل الأمد بإصلاح شامل يبدأ من الأساسيات: تمكين المعلم، تحديث المناهج، وبناء مدارس عصرية تخدم الجميع.
باختصار.. بينما يصر الوزير على أن البكالوريا ستعيد الهيبة إلى التعليم المصري، تبقى المخاوف قائمة بشأن ما إذا كان هذا القرار سيساهم في تحقيق نقلة نوعية، أم أنه مجرد خطوة إلى الوراء.
في عصر الذكاء الاصطناعي، يجب أن تكون أي إصلاحات تعليمية متوافقة مع احتياجات الحاضر وتطلعات المستقبل، وليس استعادة نماذج الماضي فقط.