مع توقيع الاتفاقيات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل لإنهاء جولة جديدة من الصراع في غزة، تبرز قضية إعادة إعمار القطاع كواحدة من أكبر التحديات التي تواجه الفلسطينيين والمجتمع الدولي.
الدمار الواسع الذي طال المباني السكنية، المنشآت الحيوية، والبنية التحتية يثير تساؤلات جوهرية حول المسؤولية عن تحمل تكاليف إعادة البناء، والآليات التي يمكن من خلالها تأمين التمويل وضمان وصوله للفئات الأكثر تضررًا.
يقدر الخبراء أن إعادة إعمار غزة بعد أي صراع كبير تتطلب عشرات المليارات من الدولارات.
البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء، والمنازل المدمرة بحاجة إلى إعادة بناء عاجلة، في حين تعاني غزة أصلًا من معدلات بطالة مرتفعة وأوضاع اقتصادية منهارة بفعل الحصار المفروض منذ سنوات.
عادة ما تتحمل الدول المانحة العبء الأكبر في إعادة الإعمار، حيث قدمت قطر، الاتحاد الأوروبي، ومؤسسات دولية أخرى مساعدات مالية كبيرة في الجولات السابقة.
لكن، مع الوصول لاتفاق غزة، يبقى السؤال مطروحًا حول استعداد المجتمع الدولي للاستمرار في ضخ أموال ضخمة في مشاريع مؤقتة دون حلول جذرية.
إن المجتمع الدولي، الذي وقف صامتًا أمام جرائم الحرب والإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، يتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن هذا الدمار.
السكوت عن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، والاكتفاء بالإدانات الشكلية أو الدعوات إلى ضبط النفس، يجعل من الدول الكبرى والمؤسسات الدولية شريكًا غير مباشر في المأساة.
وفقًا للقانون الدولي، تُعد إسرائيل كدولة احتلال مسؤولة عن حماية السكان المدنيين في غزة وضمان رفاهيتهم.
ومع ذلك، فإن المجتمع الدولي، وخاصة القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا، يتحمل المسؤولية عن استمرار الصراع من خلال دعمه غير المشروط لإسرائيل وتجاهله لانتهاكاتها.
ولا يزال تحميل إسرائيل المسؤولية المالية قضية سياسية شائكة، خاصة في ظل غياب ضغط دولي فعّال لتنفيذ هذه الالتزامات.
على الجانب الآخر، تقع على عاتق الدول العربية والإسلامية مسؤولية أخلاقية ودينية لدعم الشعب الفلسطيني، ليس فقط من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، بل أيضًا عبر تبني موقف سياسي موحد يضمن استمرار حماية حقوق الأشقاء الفلسطينيين.
على العرب والمسلمين أن يدركوا أن دعم غزة ليس فقط واجبًا إنسانيًا، بل هو جزء من حماية كرامة الأمة وحقوقها. إن إعمار غزة هو إعمار للإنسانية، ودعم صمودها هو دعم للحق في وجه الظلم.
المطلوب هو البدء عقب سريان اتفاق وقف إطلاق النار بمؤتمرات دولية لجمع التبرعات، مرورًا بجهود دبلوماسية قوية لضمان وصول المساعدات دون عوائق، وانتهاءً بإطلاق مشاريع تنموية مستدامة تدعم صمود الشعب الفلسطيني.
تظل مسألة إدارة الأموال المخصصة لإعادة الإعمار قضية حساسة. الشكاوى من الفساد وسوء توزيع الموارد في مشاريع سابقة تؤكد الحاجة إلى آليات شفافة تشرف على عملية إعادة الإعمار، تضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها الحقيقيين دون استغلال سياسي أو فساد إداري.
باختصار.. إعادة إعمار غزة ليست مجرد عملية هندسية أو مالية، بل هي مسؤولية أخلاقية وسياسية تتطلب تعاونًا دوليًا وإقليميًا جادًا.
لكن في ظل غياب حل شامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ستبقى جهود إعادة الإعمار مؤقتة، وستظل الفاتورة مفتوحة، يدفعها في النهاية المواطن الفلسطيني الذي يعيش يوميًا تحت وطأة الفقر والدمار.