هل ستتوقف حياتنا حقًا إذا قررنا التخلّي عن فيسبوك، إنستجرام، وتيك توك؟ هل سيتوقف العالم إذا حاولنا استعادة مساحة من الخصوصية ورفضنا عرض تفاصيل حياتنا على مرأى الجميع؟
ما القيمة التي نضيفها لأنفسنا أو للآخرين حين ننشر يوميًا تفاصيل حياتنا: الأماكن التي زرناها، رحلاتنا، الأشخاص الذين التقينا بهم، وحتى ما أكلناه في المطاعم؟ كيف أصبحت كلمة «خصوصية» غائبة عن قاموس حياتنا اليومية؟
عندما نتخذ قرارًا بالابتعاد عن عالم التواصل الاجتماعي الافتراضي أو حتى الانسحاب تدريجيًا من الحياة الاجتماعية التقليدية، قد يصبح ذلك فجأة مدعاة فضول وتساؤل من المحيطين بنا.
كم مرة تعرضت لسؤال مثل: «أين أنتِ؟»، «أنتِ غائبة تمامًا»، «يصعب الوصول إليك هذه الأيام»، سواء من أصدقاء سابقين أو معارف متباعدين؟
بالنسبة لي، أدركت أن الخصوصية أصبحت حاجة ملحّة أمام الفوضى التي أحدثتها مواقع التواصل. لا أرى نفسي ملزمة بمشاركة تفاصيل حياتي مع الجميع، تمامًا كما لا أشعر بأي التزام تجاه تبني أنماط حياة الآخرين التي تبدو في الغالب غريبة عن عالمي.
أميل إلى الهدوء والسكون بعيدًا عن ضوضاء الزحام، حيث أجد نفسي منشغلة بما يخصني فقط دون تشتت.
ربما يبدو غريبًا للبعض أن أقول إن الشيء الوحيد الذي يملأ وقتي وشغفي هو عملي. عملي يمثل جزءًا أساسيًا من كياني؛ أكرّس له أغلب وقتي وطاقتي، فهو مصدر إنجازاتي وأساس هويتي.
يشغفني التعمّق في التحقيقات التي أقوم بها، وأجد سعادتي في إيصال صوت الضحايا المنسيين إلى العالم. هناك شعور بالفخر عندما أواجه المظالم وأتصدى لكل انحراف بحثًا عن الحقيقة.
لكن على الجانب الآخر، لا أشعر بأي اهتمام بالحياة الاجتماعية. هاتفي صامت أغلب الوقت، أستخدمه فقط للرد على المكالمات الضرورية المتعلقة بمهامي. مكالماتي محدودة للغاية، وغير ذلك لا أجد داعيًا للإفراط في استخدامه.
منذ سنوات وأنا أحيا بهذا النمط المنظم الذي منحني راحة نفسية حقيقية وإحساسًا بالسيطرة على وقتي بشكل متوازن بعيدًا عن الفوضى.
وقتي ثمين للغاية لدرجة أنني لم أعد أضيعه في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو الانشغال بأحاديث ورسائل بلا فائدة.
تجنبت أيضًا المناسبات الاجتماعية غير المجدية أو الخروج لمجرد التسلية. تعلمت احترام الوقت واستثماره فيما يعزز إنتاجيتي ويضيف إلى حياتي هدفًا ومعنى.
هذا النهج المنضبط أحدث تحولًا كبيرًا في حياتي. أصبحت أكثر راحة وجودة في كل ما أفعله. لا شيء يتفوق على شعور التنظيم والابتعاد عن ضجيج المجتمع وصخب التفاصيل غير الضرورية. مجتمع أصبح منشغلًا غالبًا بالعيش وفق نمط موحد والتركيز على القشور بدلًا من الجوهر.
أما الاهتمام بالقضايا الكبيرة أو الحقيقية، فغالبًا ما يكون خارج دائرة الاهتمام العام.