صدق الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في كلماته التي وجهها إلى رئيس وزراء ماليزيا، حين قال إن وجود وحدة إسلامية حقيقية كان سيحول دون وقوع المجازر البشعة التي تعرض لها أهل غزة على يد المحتل الغاصب وحلفائه.
هذه العبارة تُجسد الأمنية العميقة لكل عربي ومسلم بحصول وحدة حقيقية، قائمة على موقف مشترك واتفاقيات تُنفذ بعيدًا عن الأطماع الإقليمية لبعض الدول.
فالوحدة الإسلامية والعربية أصبحت أكثر من مجرد حلم؛ هي حاجة ماسة لتصحيح الخلل الذي سببته أطماع دول كإيران وتركيا على حساب الدول العربية، سواء عبر السعي لإقامة دولة شيعية كبرى أو محاولة إحياء الخلافة العثمانية.
كما أن التحالفات المشبوهة ودعم الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة وطالبان والإخوان المسلمين أسهمت في دمار دول إسلامية، وهو ما شاهدناه في سوريا ومصر وغيرهما. يضاف إلى ذلك محاولات دول صغيرة توسيع نفوذها عبر نشر دبلوماسية المال، كما حدث في دارفور بالسودان وسوريا الآن وليبيا.
حين تحدث فضيلة الإمام، كان يرى بوضوح حالة الانقسام والتشرذم التي تعصف بالأمة بسبب أطماع دول تبحث عن الهيمنة على حساب دول أخرى ذات عمق تاريخي وحضاري. هذا التمزق أفسح المجال لادعاءات مثل تلك التي يروج لها الرئيس الأمريكي ترامب، حين زعم أنه يحمي دولًا عربية وإسلامية مقابل «فاتورة» حماية.
المفارقة المُرّة أن هذه الحماية المزعومة تكون من دول يُفترض أنها عربية وإسلامية، بينما الأصل أن تتوحد تلك الدول لمواجهة الطامع الأكبر، وهو الكيان الصهيوني الذي يسعى لتحقيق حلمه المتمثل في دولة تمتد «من النيل إلى الفرات» بدعم أمريكي واضح.
صرخة الإمام الأكبر أحمد الطيب تعبر عن وجع عميق يشعر به الرجل الصعيدي الأصيل، الذي لا يستطيع تجاهل المشهد المخزي لدول عربية وإسلامية تنشغل بالسعي لكيد بعضها البعض وتفتيت وحدتها، بدلًا من الوقوف صفًا واحدًا لما يحدث في غزة والضفة الغربية والقدس.
نحن في زمن يتطلب موقفًا موحدًا ضد تصفية القضية الفلسطينية ومحاولات تهجير أهل غزة وتدمير بنيتها التحتية. ومع ذلك، نجد البعض يهرول نحو تمويل الميليشيات وتحقيق أهداف مشبوهة بدلًا من التكاتف.
ما عبر عنه الشيخ أحمد الطيب حين قال: «الوحدة هي الجدار الذي لن يستطيع أحد أن يدق فيه مسمارًا واحدًا، وبدونها لن يستطيع أي طرف أن ينهض مهما بلغ من القوة والتقدم»، هو دعوة للحوار والإيمان بالمصير المشترك للأمة.
قضية فلسطين وغزة خصوصًا تظل الدرس الأكبر الذي يجب أن يقود الأمة إلى وقفة جادة ضد كل أشكال الانقسام.
هذه الكلمات تستحق أن تتحول إلى خطوة عملية عبر قمة إسلامية عاجلة لا يُسمح لأي زعيم بالتغيب عنها. يجب أن تكون هذه القمة نقطة انطلاق لإنهاء الصراعات البينية التي تفكك العالمين العربي والإسلامي من المغرب إلى جنوب شرق آسيا.
نحن بحاجة إلى إرادة حقيقية تُعيد لهذه الأمة وحدتها وقوتها في مواجهة تحدياتها الكبرى.