القمة العربية الطارئة انتهت بإقرار خطة إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، ووفقًا للمعلومات المتاحة، فإن تكلفة هذه الخطة تُقدّر بحوالي 57 مليار دولار، وستُنفذ على مراحل.
وكما هو متوقع، فإن العرب هم المسؤولون عن تمويل هذه العملية. ومع ذلك، القضية ليست فقط في إعادة الإعمار أو حتى في التكلفة، بل تكمن في التساؤل الأهم: هل هناك ضمانات بأن إسرائيل لن تعود لهدم هذه المباني مرة أخرى؟ وهل يمكن لأحد أن يوقف التصعيد الإسرائيلي اليومي الذي يتجسد في تصريحات مسؤولين حكوميين إسرائيليين، وصلت حاليًا إلى التهديد بالحرب ضد مصر؟
عند تتبع الصراع مع إسرائيل، نجد أن قادة الكيان الصهيوني يتفوقون بخطوات على الطرف العربي، حيث تظل الأفعال العربية غالبًا مجرد رد فعل لما يقومون به. لا يوجد حتى الآن موقف حازم ومتقدم من القادة العرب، حتى على المستوى الرسمي، إذ يبدو أن الجميع بات يخشى غضب الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة التي أثبتت عنصريتها بوضوح.
نتذكر تصريح بنيامين نتنياهو الأول عند توليه الحكومة الصهيونية عام 1996، عندما قال إنه «سيفاوض العرب لمدة عشرين عامًا ولن يمنحهم شيئًا». وها هو قد حقق ما وعد به وأكثر؛ إذ طوّرت إسرائيل علاقاتها مع بعض الدول العربية والإسلامية التي كانت تعتبرها عدوًا، وحققت تبادلًا تجاريًا وتطبيعًا سياسيًا واقتصاديًا وشعبيًا، إلى جانب تلقي الدعم المالي والتبرعات للمؤسسات الصهيونية.
نتنياهو كان صادقًا مع شعبه ونفذ مخططاته، وهو يمضي باتجاه تحقيق مشروع التهجير طالما لا توجد إرادة عربية قادرة على الوقوف بوجهه، ولا قدرة على التصعيد دون الخوف من تأثير الولايات المتحدة، التي تواجه بدورها أزمة داخلية وانقسامًا حادًا نتيجة قرارات ترامب الاقتصادية.
كان من المنتظر أن يتضمن بيان القمة عبارات أكثر قوة وتهديدًا باستخدام الأدوات المتاحة إذا لم تُنفذ مبادرة السلام العربية. كما كان من الأفضل وضع جدول زمني مُحدد لتنفيذ المبادرة، مع التهديد بسقوط جميع اتفاقيات السلام في حال انتهاء المدة دون تحقيق أي تقدم.
لا بدّ من وجود موقف عربي إسلامي موحد يعيد التوازن للصراع ويُلزم الاحتلال بالقانون الدولي. يجب أيضًا وضع ضمانات حقيقية لعدم هدم ما سيُعاد بناؤه في إطار إعادة الإعمار، خاصة في ظل ما شهده العام والنصف الماضيين من تدمير لكل ما شيدته الدول العربية في غزة وإهدار مليارات الدولارات على مشاريع أُطيح بها بلا جدوى.
قضية إسرائيل الحقيقية ليست الفصائل كحماس أو الجهاد الإسلامي كما يظن البعض؛ بل إن الكيان يسعى لبقاء المقاومة كذريعة مستمرة لنقض الاتفاقيات وسفك الدماء وتنفيذ مخططاته لتحقيق حلم «الدولة اليهودية الكبرى» والقضاء على القضية الفلسطينية.
لقد حان الوقت لاتخاذ زمام المبادرة لأول مرة منذ توقيع اتفاقيات السلام، ليكون الموقف العربي والإسلامي استباقيًا وشجاعًا في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية-الأمريكية. فمع وجود حالة تعاطف شعبي ورسمي عالمي مع القضية الفلسطينية، يُمكن للدول العربية والإسلامية استغلال هذا الزخم لإحداث تحول حقيقي في مسار الصراع، وفرض قواعد جديدة تُجبر الاحتلال على الالتزام بالقوانين الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني.