العلاقات الإنسانية بحر واسع لا يجيد السباحة فيه إلا القليلون، فهي ليست مجرد لقاءات عابرة أو مصالح متبادلة، بل هي انعكاس للقيم والمبادئ التي يحملها الإنسان في داخله.
الناس، في جوهرهم، يشبهون الأرض؛ فمنهم الطيب الخصب الذي يُثمر خيرًا، ومنهم القاحل الجاف الذي لا ينبت حتى بذور المحبة.
مثلما تختلف الأراضي بين الطيبة والبور، يختلف البشر في تعاملاتهم. هناك من يزرع الود ويحرص على أن تبقى علاقاته نقية، وهناك من يرى في الآخرين وسيلة للوصول إلى غاياته دون مراعاة للمشاعر أو الأخلاق. وفي هذا التنوع تكمن الحكمة، فالحياة تعلمنا ألا نعوّل كثيرًا على البشر، بل على أفعالنا ونوايانا.
يقولون: «اصنع الخير في أهله، فإن لم يكن أهله فأنت أهله». لا تنتظر من الناس ردّ المعروف، ولا تقيس أخلاقك بأخلاقهم. عامل الله في كل خطوة، ولا تلتفت إلى من يخذلك أو من يظلمك، فالعطاء الحقيقي لا يُنتظر منه مقابل، بل هو لوجه الله، والجزاء دائمًا من عنده.
كم من صديق غدر؟ وكم من قريب جفا؟ وكم من شخص راهنت عليه فكان أول من خذلك؟ هذه طبيعة الحياة، فلا تحزن إن قابلت الغدر من صديق، أو اللؤم ممن كنت تحسن إليه. الناس متغيرون، لكن الله ثابت، لذا اجعل تعاملك مع الله، ولا تلتفت إلى أخلاقيات البشر المتقلبة.
لا تدع تصرفات الآخرين تؤثر على صفائك الداخلي. لا تحزن إذا خسرت شخصًا لم يقدّر قيمتك، فربما كان خروجه من حياتك مكسبًا.
لا تبكِ على من خاصمك بظلم أو جفاك بلا سبب، فالدنيا تمضي، والمواقف تكشف النفوس، ويبقى الأنقياء وحدهم هم الرصيد الحقيقي في رحلة العمر.
في نهاية المطاف، لا يُقاس النجاح بعدد العلاقات، بل بنوعيتها. يكفيك في هذه الحياة أن تحظى برفقة الأنقياء، أولئك الذين يساندونك بلا مقابل، الذين يفرحون لفرحك ويحزنون لحزنك بصدق. هؤلاء هم الحصاد الحقيقي لرحلتك، فتمسّك بهم، ودع البقية تمضي كما يشاء الله.
باختصار.. العلاقات الإنسانية ليست مجرد تفاعل بين البشر، بل هي مرآة للقيم والمبادئ التي نحملها. ازرع الخير دون انتظار، كن نقيًا حتى لو كانت الدنيا حولك عكرة، وعش حياتك وفقًا لما يرضي الله لا ما يرضي الناس. ففي النهاية، يبقى الأثر، ويذهب الباقي كأنه لم يكن.