خلال السنوات الماضية، أصبحت عبارة» بناءً على توجيهات السيد الرئيس «هي القاسم المشترك في حل العديد من الأزمات والمشكلات التي تواجه مصر. من نقص السلع، إلى قضايا الصحة، وصولًا إلى المشروعات القومية الكبرى، دائمًا ما يكون التدخل المباشر من الرئيس هو الحل السحري الذي يضع حدًا للمشاكل المتفاقمة.
والسؤال هنا: لماذا لم تقم الأجهزة المعنية بدورها منذ البداية؟ وهل المطلوب أن يتدخل الرئيس في كل شيء؟ وماذا لو لم يتدخل؟
تكرار تدخل الرئيس لحل الأزمات يحمل عدة مدلولات، بعضها إيجابي، وبعضها يعكس مشكلات هيكلية في الإدارة الحكومية، ومنها:
- حسم القرار: تدخل الرئيس في ملفات معقدة يعكس قدرته على اتخاذ القرار السريع والحاسم بعيدًا عن البيروقراطية.
- ضعف الأداء الحكومي: إذا كانت الوزارات والهيئات تؤدي دورها بكفاءة، لما كانت هناك حاجة لتدخل الرئيس في كل مشكلة.
- ضمان التنفيذ الفوري: عندما يصدر الرئيس توجيهًا مباشرًا، تتحرك الأجهزة التنفيذية بسرعة أكبر خوفًا من المحاسبة أو لرغبتها في تنفيذ التوجيهات العليا أولًا.
- ثقة المواطنين في الرئيس وحده: المواطن البسيط لم يعد يثق في الحلول التي تقدمها الجهات المعنية، وأصبح يرى أن الحل لا يأتي إلا من رأس الدولة.
السؤال.. لماذا لا تقوم الأجهزة المعنية بدورها؟ إذا كانت كل وزارة أو هيئة تؤدي دورها كما يجب، لما احتاج الرئيس إلى التدخل المستمر. ومن أبرز الأسباب التي تجعل المسؤولين ينتظرون التوجيه الرئاسي:
- البيروقراطية والروتين: تأخر الإجراءات الإدارية وتعقيدها يجعل تنفيذ الحلول يستغرق وقتًا طويلًا.
- الخوف من اتخاذ القرار: بعض المسؤولين يتجنبون اتخاذ قرارات جريئة خشية المحاسبة أو بسبب عدم وضوح الرؤية.
- غياب المساءلة الحقيقية: في كثير من الأحيان، لا يتم محاسبة المقصرين، مما يجعل البعض يتراخى في أداء مهامه.
- نقص الكفاءة والابتكار: بعض القيادات التنفيذية تعتمد على الحلول التقليدية ولا تمتلك القدرة على تقديم حلول استباقية للمشاكل.
ماذا لو لم يتدخل الرئيس؟ لو لم يتدخل الرئيس في بعض الملفات، فمن المحتمل أن تتفاقم الأزمات وتظل الأمور على حالها. على سبيل المثال:
- مشاكل السلع الأساسية والأسعار: عندما تتأخر الحكومة في ضبط الأسواق، يتدخل الرئيس بتوجيهات مباشرة لضبط الأسعار وتوفير السلع.
- أزمات الصحة والتعليم: تدخل الرئيس في ملفات الصحة والتعليم أدى إلى تحسن في بعض الجوانب، مثل مبادرات «100 مليون صحة» والتوسع في الجامعات الجديدة.
- التنمية والمشروعات الكبرى: بعض المشروعات القومية مثل العاصمة الإدارية وشبكة الطرق الجديدة تمت بمتابعة مباشرة من الرئيس لضمان التنفيذ السريع.
ولكن في المقابل، إذا استمر هذا النمط، فسيؤدي إلى إضعاف المؤسسات الحكومية، حيث يعتاد المسؤولون على انتظار التوجيهات بدلاً من التحرك بمبادرات ذاتية.
هل الرئيس مطالب أن يتدخل في كل شيء؟ الرئيس قائد الدولة، لكنه ليس وحده من يجب أن يتحمل المسؤولية عن كل الملفات. دوره الأساسي هو وضع الاستراتيجيات الكبرى، وليس التدخل في التفاصيل اليومية. لكن الواقع الحالي يفرض عليه التدخل المستمر نظراً لضعف الأداء الحكومي، وهو أمر غير صحي على المدى الطويل.
هناك ملفات عديدة تنتظر تدخل الرئيس، فرغم التدخل الرئاسي في العديد من القضايا، لا تزال هناك ملفات تحتاج إلى حلول عاجلة، مثل:
- ملف التعليم: تطوير المناهج وتحسين جودة التعليم الفني والجامعي.
- ملف الصحة: استمرار تطوير المستشفيات وتحسين مستوى الخدمة الصحية.
- ملف الاقتصاد والاستثمار: تحسين بيئة الاستثمار وجذب الشركات العالمية.
- ملف الجهاز الإداري: القضاء على البيروقراطية وتحفيز القيادات التنفيذية على اتخاذ المبادرات دون انتظار توجيهات عليا.
باختصار.. التدخل الرئاسي لحل المشكلات يعكس حرص القيادة السياسية على تحسين الأوضاع، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن أوجه قصور في أداء الحكومة.
المطلوب الآن هو إصلاح جذري في منظومة الإدارة الحكومية، بحيث تعمل الأجهزة المعنية بكفاءة دون الحاجة إلى تدخل مباشر في كل مرة. عندها، ستختفي عبارة «بناءً على توجيهات السيد الرئيس» إلا في الأمور الاستراتيجية الكبرى، وليس في المشاكل اليومية التي يفترض أن تحلها الحكومة من تلقاء نفسها.