الحكومة التي تستجيب لاحتياجات الشعب وتمثل عنصراً أساسياً من الحكم الرشيد هي حكومة تسارع إلى التحرك لتلبية مطالب المواطنين والتفاعل مع آرائهم وشكاواهم، دون انتظار توجيهات من الجهات الأعلى.
الحكومة المستجيبة هي تلك التي يتحرك مسؤولوها بمجرد علمهم بما يدور في المجتمع، وليس تلك التي تبدأ أي تصريح رسمي بجملة «في إطار توجيهات فلان»، لأن مثل هذا النهج يعكس ضعفاً في تحمل المسؤولية وإدارة الموارد التي تقع على عاتقها.
ما أتناوله هنا يعود إلى ما أثاره الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخراً حول محتوى الدراما خلال شهر رمضان، حيث لفت الانتباه إلى تزايد العنف وتشويه القيم المجتمعية، وطالب بتشكيل لجنة من خبراء الاجتماع وعلم النفس والدراما لمناقشة هذه الأزمة.
وفور حديث الرئيس، تحركت الحكومة والأحزاب الموالية وشُكلت لجان لدراسة الظاهرة، رغم أن العديد ممن يشكلون هذه اللجان هم من صناع المحتوى الذين ساهموا في خلق المشكلة.
الأمر الأكثر غرابة أن العديد من الكتاب والمثقفين قد حذروا منذ سنوات من هذه الظاهرة وطالبوا بجعل دراما رمضان خالية من مشاهد العنف وتناول المخدرات والخمر والعلاقات غير السوية، مع التركيز على إبراز القيم الإيجابية.
لقد سبق لي، قبل عامين، أن كتبت عن ضرورة وضع ميثاق شرف للدراما يلتزم به المنتجون قبل أي عنصر آخر، بحيث يتم التوفيق بين حرية الإبداع ومراعاة القيم المجتمعية. فالإبداع بلا شك يجب أن يكون حراً من القيود، لكن ذلك لا يعني تجاهل المسؤوليات الاجتماعية. يمكن تسليط الضوء على السلبيات دون تبريرها أو تمجيدها، خاصة وأن الفنانين الحقيقيين قادرون على استشراف المستقبل وتقديم رؤى متميزة.
مع ذلك، لم تُعر الحكومة اهتماماً لهذه التحذيرات ولا لكتابات النقاد. بل تحولت الدراما للأسف إلى منصات تُظهر مصر وكأنها بلد يعمّه القتل دون عقاب، أو أن رجال الأعمال هم مجرد رموز للفساد، وأن صعيد مصر مرتع لتجار السلاح والمخدرات. حتى المؤسسات الضابطة والنقابات الفنية لم تتحرك لمعالجة الأمر. على العكس، اكتفت الحكومة برفع أسعار التصوير في الشوارع إلى مستويات خرافية، فبات المنتجون يلجؤون للتصوير في الخارج لإنتاج دراما «مصرية» لا تُصور على أرضها.
لو بادرت الحكومة منذ البداية بدعوة الأطراف المسؤولة عن الإنتاج الفني لوضع ميثاق شرف أخلاقي يوازن بين الإبداع والالتزام بالقيم المجتمعية، لكانت قد حققت إنجازاً مهماً في الحفاظ على قيم المجتمع وحمايتها من الانهيار. ولكن بدلاً من ذلك، انتظرت حتى أصدر رئيس الجمهورية توجيهاته للتدخل، فتحركت الأطراف المختلفة بسرعة وكأنها تسعى فقط لإظهار استجابتها أمام القيادة دون معالجة حقيقية للجذر الأساسي للمشكلة.