من بغداد خرج القادة العرب، بعضهم كان حاضرا بقوة، وبعضهم ضيف شرف، وجميعهم اجتمعوا على طاولة واحدة، بينما تغيب عن الطاولة أهم ما تفتقده الشعوب «الإرادة».
قمة عربية أخرى تنعقد، والبيانات تتكرر، والأمل يتضاءل. لكن المختلف هذه المرة أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الحاضر الغائب، كان هو صاحب الإملاءات الأكثر تأثيرًا، وإن لم يُدعَ رسميًا.
فالرجل ممسكًا بخيوط المسرح الشرق أوسطي، يوجّه من بعيد ويبتسم من قريب. ترك توجيهاته في القمة الخليجية الأخيرة، وخرج منها بتريليونات الدولارات، مقابل خارطة طريق عنوانها «تفكيك ما تبقى من النظام العربي».
قادة عرب قرروا الغياب، إما احتجاجًا أو تهرّبًا، وكأنهم يعلمون أن الحضور لن يغيّر شيئًا. وآخرون انسحبوا بعد الافتتاح، ربما للحاق بطائرة خاصة أو لتجنب لقاء خصم سياسي. المهم أن الكراسي كانت أكثر التزامًا من أصحابها، ولم تنسحب رغم كل ما قيل فيها.
في مقابل هذا المشهد، جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي كصرخة عابرة للحدود. تحدث عن وحدة الشعوب، عن الدولة الوطنية، عن حق العرب في تقرير مصيرهم دون وصاية، فكأنّ صوته أراد أن يوقظ ضميرًا غائبًا في زمن يتحدث فيه الجميع بلكنة أجنبية. فشعر بعض الزعماء بالقلق، وآخرون بالنعاس. أما الشعوب فصفقت له على وسائل التواصل، وشعر البعض أنهم يسمعون صوت جمال عبد الناصر، فبعث في قلوبهم الأمل ولو للحظة خاطفة.
خرج البيان الختامي كما كان متوقعًا: غامضًا، مرنًا، وقابلًا للتفسير بعدة لغات.. باستثناء لغة الشعوب، وحدها خطابات المديح المتبادل بدت صادقة، أما الحديث عن فلسطين، سوريا، العراق، السودان، فكان مجرد «فقرة تراثية» لا بد من إدراجها حفاظًا على الطقوس.
الشعوب العربية، من المحيط إلى الخليج، لم تعد تنتظر بيانات، بل خطوات. لم تعد تلتفت للخطب، بل للنتائج. وما لم تُدركه الأنظمة أن كرامة القرار تبدأ من التحرر من التبعية، فلن تُثمر أي قمة، مهما تعددت مسمياتها.
قمة بغداد كانت فرصة، لكنها – كما جرت العادة – ضاعت وسط المجاملات، والتوازنات، والخيارات المفروضة من الخارج.
ويبقى السؤال: متى يكون للبيت العربي سيّدٌ فعلي، لا وكيل معتمد في البيت الأبيض؟