في توقيت بالغ الحساسية، خرج بعض الإعلاميين المحسوبين على الدولة عبر شاشات منابرهم، ليعلنوا أن «مصر مقبلة على حدث جلل»، مطالبين المواطنين بالاستعداد لما هو قادم. دون تحديد، دون توضيح، ودون مسؤولية إعلامية تليق بحجم المنصات التي يتحدثون من خلالها.
رسالة غامضة، لا يعرف أحد مصدرها، ولا يعرف أحد إن كانت تستند إلى معلومات مؤكدة، أم أنها مجرد اجتهادات أو «إملاءات» تم تمريرها لأغراض لا يعلمها إلا من حرّك الخيوط.
والنتيجة: بلبلة في الشارع، ارتباك على مواقع التواصل، وسباق محموم لتفسير ما قيل وما لم يُقَل.
المشكلة أن هذه الوجوه التي شاخت في أماكنها، وحفظت مقعدها عبر تغير الأنظمة، ينظر إليها غالبية المصريين على أنها قريبة من دوائر الحكم ومراكز صناعة القرار. وبالتالي فإن ما يصدر عنها لا يُفهم على أنه رأي شخصي، بل رسالة شبه رسمية.
وهنا تكمن الخطورة: هل هناك بالفعل ما يجب أن تصارح به الدولة شعبها؟ أم أننا بصدد «نيران صديقة» أُطلقت من دون تنسيق أو تقدير للعواقب؟ وفي الحالتين، نحن أمام كارثة، إما غياب للشفافية، أو فوضى إعلامية تخترق الصف الوطني من الداخل.
من حق الشعب أن يُخاطب بوضوح. فالناس لم تعد تقبل التهويل ولا التلميح، ولا تُدار الأمور الكبرى بهذه الطريقة الغامضة.
إذا كان هناك بالفعل «حدث جلل»، فليُصَرَّح به بشجاعة ومسؤولية. وإن لم يكن، فلابد من مساءلة من أثاروا البلبلة دون وجه حق.
الشفافية ليست رفاهية، بل واجب وطني خاصة عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي أو المسار السياسي أو الأوضاع الاقتصادية.
أما أن يُلقى في وجه الناس كلام مشحون بالقلق ثم يُترك دون تفسير، فهو استخفاف بالعقول، وإضعاف للثقة بين المواطن والدولة.
لقد بلغ الشعب سن الرشد. ولم يعد من المقبول التعامل معه كقاصر يحتاج إلى تخويف أو غموض ليظل «منضبطًا»، المطلوب هو المصارحة، لا الإثارة.
باختصار.. الرهان الحقيقي على الشفافية والمصارحة، لا على التهويل والتخويف. فالمصالح الوطنية العليا لا تُصان إلا بإشراك الشعب في الوعي، لا بإرباكه بالغموض.
كما أن طريقة «توقع البلاء وانتظاره» التي وُرّثت من عصور قديمة لم تعد صالحة في زمن تملأ فيه التكنولوجيا كل فراغ، وتمنح الشائعات سرعة الضوء. فكل غموض اليوم يتحول إلى رواية بديلة، وكل تأخير في التوضيح يدفع ثمنه المواطن والدولة معًا. والمحصلة تقويض للثقة، وتشويه للمنجز، وخدمة مجانية لأهل الشر.
لهذا، فإن أقصر الطرق للنجاة ليست المناورة، بل الصدق. ليست الغموض، بل المصارحة.