هذه ليست أزمة طارئة، ولا اضطرابًا حدوديًا عابرًا، ما نشهده اليوم هو فصل جديد من مؤامرة قديمة تُعاد كتابتها بأيدٍ جديدة ووجوه مموّلة.
في لحظة واحدة، ومن ثلاث جبهات، وجّهت الضربات إلى مصر، ليس صدفة، بل خطة محكمة، ليس تحركًا تلقائيًا، بل هجومًا ممنهجًا.. والهدف إنهاك الدولة المصرية، وشلّ إرادتها، وإرباك قيادتها، وإغراقها في محاور استنزاف متزامنة.
في الجنوب قوات الدعم السريع في السودان لم تعد تقاتل من أجل «كرسي الحكم» في الخرطوم.. هذه القوة التي تحوّلت إلى جيش مرتزق، أصبحت أشبه بفرقة عمليات إقليمية تنفذ أجندة خارجية بدقة عسكرية ومظلة تمويل إقليمية، حيث تُغسل الأموال وتُغذى الصراعات، ومن خلفهم شبكات غربية لها باع طويل في إشعال الفوضى تحت عباءة «الديمقراطية».
المرتزقة القادمون من تشاد والنيجر ومالي ليسوا عميانًا، بل موجّهون.. الهدف الحقيقي؟ نقاط التماس مع مصر، وإشغال الجيش المصري جنوبًا، واستنزافه على حدود لم تعد آمنة.
في ليبيا، لا يزال المشهد عبثيًا، لكن خلف الفوضى ترتيب دقيق، ما تسمى بـ«قافلة الصمود» التي تتجه من أراضي الغرب الليبي نحو الحدود المصرية ليست سوى رأس حربة لمشروع قذر، وهو إعادة تصدير الإرهاب إلى مصر من بوابة الحدود الغربية.
في غزة، إسرائيل لم تعد تتحدث عن «ضبط الوضع»، بل تدفع السكان عمدًا نحو رفح، تستخدم سلاح الحصار والقصف والتجويع لتُحدث انفجارًا سكانيًا في وجه مصر، بهدف ترحيل سكان القطاع بالقوة إلى سيناء.
خطة صهيونية قديمة، أُعيد إحياؤها بدعم أمريكي-أوروبي صامت، وتواطؤ أممي مفضوح.. التقديرات الإسرائيلية تتحدث عن «حل دائم» لقضية غزة عبر إزاحة أهلها إلى الجانب المصري من الحدود، وهكذا تريد تل أبيب، ومعها حلفاؤها، أن تختبر صبر الدولة المصرية.
هل تظن أن كل هذا تحرك عفوي؟ الإجابة لا.. السيناريو مركب بعناية من أجهزة استخبارات تعمل منذ سنوات على كسر العمود الفقري للدولة المصرية.
الإخوان عادوا كشبكة ظل تمول وتحرض وتنسق عبر غرف عمليات في العديد من العواصم.. إسرائيل تستغل الفوضى لتفرض واقعًا ديموغرافيًا وجغرافيًا يخدم أحلامها القديمة.
أمريكا تصمت عن التهجير، لكنها تُبقي القنوات مفتوحة مع من يلعب بالنار في ليبيا والسودان.. دول إقليمية تمد الأذرع المسلحة بالمال والسلاح، وتعمل على إعادة تدوير العناصر الجهادية تحت مسميات جديدة.
الهدف النهائي واضح: إنهاك مصر داخليًا، واستنزافها خارجيًا، ثم تركيعها سياسيًا.. يريدون أن تنشغل القاهرة عن دورها الإقليمي، أن تفقد توازنها، أن تخضع لشروط المساومة الدولية، لكنهم للأسف لا يقرؤون التاريخ فمصر دائماً مقبرة الغزاة.
إلى كل من يحلم بسقوط مصر: «اللعب مع مصر مكلف، والعبث على حدودها انتحار».. قد تبدأ اللعبة كما تشاء، لكن النهاية لا يكتبها إلا المصريون.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا