هل عرفت تفاصيل حادثة مقتل الشاب «محمود» الذى لقى ربه عقب مشاهدته لمباراة مصر والكاميرون فى«كافيه» بمنطقة النزهة بالقاهرة، بعد تعرضه لاعتداء من القائمين على الكافيه لأنه اعترض على طريقة غلق المحل على الزبائن، ومنع خروجهم، إلا بشكل جماعى بعد تحصيل حساب المشروبات، من كافة رواده قبل خروجهم؟! طبعاً ستقول: هذه بلطجة! وأنا معك، هذه بلطجة، تستحق العقاب الفورى، والرادع، لأن البلطجة يجب أن تتوقف فى هذا المجتمع، الذى أصبح يعانى من ظاهرة أخطر، وهى «البلطجة المكتومة» وهى بلا صوت أو ضجيج، ولكنها تتحول مع الوقت إلى «بلطجة عادية» صوتها عال! نعم هناك بلطجة بدأ يعتاد الناس عليها، خلال السنوات الخمس الماضية، وأصبحوا يتعاملون معها باعتبارها، جزءاً أصيلاً من حياتنا، ويندهشون ممن يقاومها، أو يعترض عليها، أو حتى يتذمر من وجودها!
مثلاً.. عندنا بلطجة الطريق، فليس غريباً أن تجد من يقف بسيارته فى وسط الطريق، مشتبكاً مع جاره السائق الذى «كسر» عليه، وتدور المعركة بالأيدى والألفاظ، دون أن يخشى عقاباً، ودون اهتمام بالطريق الذى تم إغلاقه عمداً! وبدلاً من أن نبحث عن السبب وهو أزمة المرور فى مصر ندعو كلا الطرفين للتراضى حتى يسير الطريق، المتكدس أصلاً، وتنتهى المشكلة اللحظية وتستمر أزمة بلطجة الطريق!
عندنا، أيضاً، بلطجة الإعلام، فقد رأينا هذه المهنة السامية وهى تتكدس بأصحاب الأصوات العالية، والشتامين، ومنتهكى خصوصيات الناس، ولا نجد من يقول لهم قفوا مكانكم، فهذا الوطن يتفسخ تماسكه، وإعلامه يتحول دون أن ندرى إلى مهنة «السب والقذف»، ولم يعد المجتمع الذى اعتاد على هذه التجاوزات يتحدث عن وجود «أزمة» ولكنه يتعامل مع ما يقال ويُنشر باعتباره أمراً عادياً، وأصبحنا نبحث عن تفاصيل التجاوزات، لنعيد نشرها، على مواقع التواصل الاجتماعى، وتحول العيب إلى عادة، وانتقل الإعلام من توصيف «القائد» و«المُعلم»» إلى مصدر للتشويه وليس العلاج!!
حتى السياسة… انتقلت، إلى قلبها، مهنة البلطجة، وهى المهنة التى كانت تصاحبها عند كل انتخابات فقط، فتحولت بلطجة السياسة إلى ظاهرة مستمرة، فلم يعد السياسى الذى يستعين بالبلطجية، لحماية نفسه، أو لإرهاب خصومه، يكتفى بهذه الحالات فحسب، ورغم أننا كتبنا سنوات طوال، مطالبين القائمين على القانون والمجتمع بمقاومة البلطجة المصاحبة للسياسى فى الانتخابات، إلا أنها أصبحت ظاهرة مستمرة، حتى أنك تجد السياسى نفسه يتحول إلى بلطجى، ثم تكتشف بعد قليل أنه ليس سياسياً فى الأساس، ولكنه كان «سنيد» لآخرين، وسمسار انتخابات، اكتشف «فجأة» فى نفسه كفاءة سياسية كامنة، فعمل بالسياسة دون أن يخوض غمارها الطبيعية، ودون أن يتدرج فى مستوياتها المختلفة، ولذلك تجد، بعض، السياسيين الجدد، يتحدثون لغة لا نعرفها، ويقولون كلاماً لا نفهمه، لأن لغتهم غريبة علينا، مثل أهدافهم تماماً!
البلطجة ليست فى كافيه النزهة فقط، فحادث الكافيه، كان كاشفاً جديداً لما نواجهه فى مجالات مختلفة، سياسية، ورياضية، واجتماعية، وإعلامية، واقتصادية! الموضوع خطير ويحتاج وقفة قانونية حاسمة مع كل من يتجاوز فى حق الآخرين، لأن الفوضى هى بداية الطريق إلى فشل مزمن!