ظهر على شاشات الفضائيات الأسبوع الماضى محام، ادعى جمع مليون و٦٤١ ألف توقيع من مواطنين بجميع المحافظات، على استمارة تمرد ضد البرلمان، وذلك للمطالبة بحل مجلس النواب، والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة لاختيار نواب جدد يلبون مطالب الشارع.
لم يستطع المحامى إقناعى بذلك الكم من التوقيعات التى يقول إنها جُمعت موثقة ببطاقات الرقم القومى، خاصة أننا لم نسمع عن الحركة التى يدعى تأسيسها ضد البرلمان، ولم تُسجل شهادة لمواطن أو صحفى تؤكد أنه رأى أو لاحظ أو حتى سمع أن شبابًا يقومون بجمع توقيعات لحل البرلمان.
ومع ذلك لا ينكر أحد أن الثقة التى منحها الناخبون لنوابهم لم تعد موجودة، أو على الأقل ليست بنفس القدر الذى كانت عليه فى لحظة إدلاء المواطنين بأصواتهم ولا ينبغى تجاهل حالة الغضب تجاه أداء البرلمان بشكل عام، لاسيما وأن أسباب عدم الرضا كثيرة وأغلبها يرتبط بحالة عدم الشفافية والضبابية التى تكسو قبة البرلمان على نحو يجعلنا لا نستطيع أن نرى حقيقة ما يدور بداخله.
صحيح أن غالبية المصريين يدركون أهمية الحفاظ على استقرار مؤسسات الدولة، ولن يخرجوا إلى الشارع فى مظاهرات تطالب بحل مجلس النواب، لكن على الدولة أيضًا أن تدرك خطورة إحساس المواطنين بعدم الشفافية فى أداء نوابهم، وشعورهم بأن هناك من يضع عصابة على أعينهم لتعجز بصائرهم عن رؤية ما يجرى.
كلنا يذكر الحملة المنظمة التى استهدفت تشويه البرلمان قبل انتخاب أعضائه بأشهر، وتلت ذلك قرارات للإصلاح الاقتصادى، كانت لها آثار سلبية على المصريين بسبب الارتفاع المستمر للأسعار؛ بخلاف الأداء المتدنى لمعظم الأجهزة التنفيذية، ورغم كل تلك الظروف والملابسات التى أحاطت بولادة أول مجلس نواب بعد الإطاحة بأصنام الإسلام السياسى، أصر أعضاؤه على عدم علنية الجلسات لأسباب تأكد بمرور الوقت أن جميعها واهية.
المتضرر الأول من هذا القرار هو البرلمان نفسه، فمهما صرخ أعضاؤه ليعلموا الناس بما يقومون به من دور تشريعى ورقابى لن يصدقهم أحد؛ حتى لو خرجوا بأنفسهم يطرقون أبواب منازل ناخبيهم ليقدموا كشف حساب بما أنجزوه.
القرارات الحكومية الصعبة، واستمرار فشل الموظف الحكومى وفساده، وغياب المجالس المحلية المنتخبة، كلها أمور جعلت المواطن يخلط بين دور عضو مجلس النواب والوزير فى الحكومة، لأن مطالبه كثيرة وكبيرة وربما بعضها لا يحتاج إلى تشريع جديد، وبما أنه فاقد للثقة فى موظفى الأجهزة التنفيذية بنى أمالًا كبيرة على نوابه، ولم يجد غيرهم يقف إلى جانبه فى مواجهة الفساد والروتين الحكومى.
ولما لم يجد فى نوابه ما تمنى، فقد ثقته فيهم وانتبه إلى مسألة عدم إذاعة جلسات البرلمان على الهواء مباشرة، وبدأ يفسرها طبقًا لمعطيات حياته اليومية وأقرب تفسير إلى عقله وقلبه؛ هو أن البرلمان والحكومة يتآمران عليه تحت تلك القبة المعتمة، وأنهم لا يفكرون أو يخططون إلا لخدمة مصالحهم الشخصية.
يعزز ذلك التفسير لدى المواطن هذه الحساسية المُفرطة التى يُعانيها أغلب أعضاء مجلس النواب، خاصة رئيسه الدكتور على عبدالعال من توجيه أى نقد، مهما كان بسيطًا.
وبصراحة لا يمكن أن نلوم المواطن لأنه سمع عبدالعال ينتفض لمهاجمة صحيفة بعينها ومعايرتها بما تحصل عليه من دعم حكومى فقط عندما وجهت له بعض النقد، وفى نفس الوقت لم يسمع هذا المواطن المسكين معالى رئيس مجلس النواب ينتقد باقى الصحف القومية لما تحققه من خسائر مالية وتعانيه من فشل إدارى. قد يعتقد المواطن أن الدكتور على عبدالعال سكت عن تلك الصحف لأنها لم تنتقده، وربما تسرد صفحات لمدحه ومجلسه.
لا أحد يدرى ربما جرى انتقاد باقى المؤسسات القومية، وربما أيضًا صدق بعض النواب عندما صرحوا بأنهم «علقوا بعض الوزراء على خطافات طلبات الإحاطة والاستجواب والبيان العاجل».
فقدان الثقة فى البرلمان خطر يهدد كل مؤسسات الدولة، وينذر بانهيار مصداقيتها، ولا علاج لهذا المرض إلا إذاعة جلساته على الهواء مباشرة، فأرحنا بها يا دكتور عبدالعال، ففيه تنوير لعقولنا، وشفاء للنفس الأمارة بالسوء، وهى أيضا بمثابة مضاد حيوى قوى (أنتيبيوتك) لعلاج الحساسية ضد النقد فى الصحافة.