بمناسبة انعقاد قمة عمّان قبل أيام قليلة، نلاحظ أن الدول العربية أصبحت تهتم بالفكر القطرى (بضم القاف) فى الألفية التى بدأت قبل ١٧ عامًا، ولم يعد التضامن العربى على أجندة متخذ القرار العربى، ما أدى إلى زيادة درجة التراجع عن الفكر التكاملى، الأمر الذى يثير العديد من التساؤلات التى تحاول تفسير الواقع السياسى للعالم العربى، ومن هذه التساؤلات، على سبيل المثال لا الحصر، لماذا لم تعد فكرة التضامن العربى أو العمل العربى المشترك عنوانًا جاذبًا فى السياسة العربية؟ ولماذا أصبحت فكرة الانعزالية، بمعنى التفكير الآحادى النظرة، العامل المشترك المسيطر على كثير من الحوارات التى تدار بين المثقفين العرب؟ ولماذا لم نعد نرى من يدافع عن الفكر الوحدوى ويدعم أفكار التكامل العربى سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، إلا فيما ندر، وعلى استحياء؟
بداية نتعرّف على الظرف الإقليمى والدولى الذى يحيط بالأمة العربية من المحيط إلى الخليج، حيث نكتشف أنه لم تعد جامعة الدول العربية تقوم بدور فاعل فى الاحتشاد العربى خلف قضايا العرب المصيرية، بل ووقفت عاجزة عن تقديم صياغة تشكل أرضية مشتركة للأزمات والمنازعات العربية-العربية، بل اشتعلت مناطق الأزمات، وتعددت بؤر التوتر، واختلفت المواقف منها، على عكس ما كان فى السابق، عندما كانت تغلب سياسات المواءمة بين المشكلات والمصالح العربية المشتركة، ويتم إعلاء المصلحة القومية. وهكذا أصبحت الجامعة العربية اليوم أقرب ما تكون لمنتدى لتبادل وجهات النظر والآراء، منها للتنظيم الإقليمى العربى المعبّر عن إرادة سياسية واحدة، الأمر الذى ترتب عليه -بصراحة- فقدان «بوصلة» النظرة الجماعية للأمور، وفقدت الجامعة القدرة على أن تكون رؤية مشتركة فى كل المجالات، ومنها وضع سياسة أو خطة فيما يتعلق باسترداد زمن التضامن العربى.
وترتب على ما تقدم أن تعددت المحاور، وانقسم العالم العربى بين فريق انكفأ على مشاكله وشدته أوضاعه الداخلية إلى الانعزال، ووقف البعض الآخر مكتوف الأيدى لا يسجل أى موقف، وكأن ما يحيط به من حرائق لا يعنيه، فيما فضّل البعض الثالث التحالف مع الآخر من غير العرب، لتقارب المصالح، أو دعونا نقل ليأسه من التضامن العربى، واتخذت قلة من الدول العربية مواقف إيجابية للملمة الشمل وحلحلة المشكلات وتجميع الصف على كلمة سواء، ولكنها واجهت مؤامرات داخلية وخارجية، وفى مقدمة ما يحاك ضدها من مؤامرات الإرهاب الذى أدى إلى انتشار الجماعات المتطرفة فكرًا وسلوكًا.
فيما تتردد دعوى مغرضة تدعو إلى إعادة رسم خريطة جديدة للعالم العربى، وكأننا أمام اتفاقية «سايكس بيكو» جديدة، يجرى تنفيذها تحت مسميات الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد والدول المتوسطية، وغيرها من التعبيرات المنتشرة فى أدبيات العلاقات الدولية اليوم، فيما تقف أطراف إقليمية، غير عربية، ترقب فى استنفار وتحفز، منتظرة ما سيسفر عنه هذا الواقع الصادم، ويتربع على رأسها «إيران وإسرائيل»!
ما يجعلنا نعيد النظر فى آليات صناعة القرار العربى، السياسة الإعلامية التى تخاطب فكر ووجدان المواطن العربى، حيث يجب أن تصاغ الرسالة الإعلامية بشكل مختلف، يحث على التوحّد العربى، ويفنّد حجج دعاة الفكر الانعزالى، الذين لا يدركون أكثر من مواقع أقدامهم، فى حين أن الفكر التكاملى القائم على المصلحة المشتركة يعى خطورة ما يتعرّض له العالم العربى من محاولات للتقسيم، ويدرك أبعاد مخططات التجزئة التى تروّج لها أبواق الدعاية المعادية إقليميًا ودوليًا.