أدمى حادث تفجير مسجد الروضة بشمال سيناء واستشهاد نحو ثلاثمائة مواطن أثناء تأديتهم صلاة الجمعة، قلوب المصريين جميعا، بل قلب كل من ينتمى إلى جنس البشر.. وأتمنى ألا تذهب دماء هؤلاء الشهداء سدى وأن تشكل جسر عبور إلى دولة القانون، بعد الخراب الذى حل بوطننا منذ اعتلى الكثير من شيوخ الإسلام السياسى وانبروا يصدرون الفتاوي، التى لا يقترب أى منها من جوهر الإسلام وقيمه النبيلة، بل تنصب على التكفير.. فالبعض يكفر علنا المصريين الأقباط، والبعض الآخر يكفر الشيعة وآخر يكفر الصوفيين، والقائمة لا تنتهي.
وتصب جميع هذه الفتاوى فى هدف تفتيت الوطن على أساس دينى أو مذهبي، وهو ما ورد فى المخطط الأمريكى الذى كشفه وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، هنرى كيسنجر حيث قال، علنا: إن أكبر ضمان لبقاء إسرائيل فى المنطقة، هو تفتيت المنطقة إلى «دويلات» عرقية وطائفية ولا يحتاج ما يجتاح الوطن العربى من اقتتال وإرهاب إلى دليل على أن المخطط المعادى الشرير يمضى بلا عوائق وبدعم بالغ القوة من شيوخ الفتاوى ووسط صمت مريب من أجهزة الدولة..
أليس غريبا أن يخرج بعض من ينفذون المخطط، لتكفير المسيحيين وتحريم تهنئتهم بالأعياد وصولا إلى إباحة دمائهم واعتبار أن قاتل المصرى المسيحى لا يخضع لعقوبة الإعدام المنصوص عليها فى قانون وضعوه فى الأدراج وأغلقوها؟..وانتقلت بعد ذلك فتاوى التكفير إلى كل مخالف للشيخ الذى يطل فى أمان تام عبر شاشات التليفزيونات العربية ولا أحد يحاسبه، بل ولا أحد يسأله: هل عندما يضربنا العدو، كما كان الحال مع إسرائيل، يطلب وقوف المسلمين فى ناحية والمسيحيين فى جهة اخري، أم أنه يستهدفنا جميعا كمصريين؟. لقد حاولت دولة الاحتلال البريطانى القرن الماضي، تفتيت مصر تحت شعار «فرق تسد» وفشل المخطط بفضل وعى المصريين لكن للأسف الشديد، لجأ اعداء مصر إلى استغلال تدين الشعب وكانت ادواتهم المدمرة، هى سلاح التفتيت الأشد تدميرا، فلم يكتفوا بالتفرقة على أساس ديني، بل تخطوها بصورة مفزعة إلى التفرقة بين «المذاهب» كما اتضح فى جريمة مسجد الروضة وبإصدار فتوى تصم الصوفيين بالكفر..
فهل أصبح الاسلام ملكا لصاحب الفتوي، بحيث يقرر التكفير والحكم بدخول جهنم وصولا إلى القتل، قتل حتى الأطفال كما حدث فى جريمة مسجد الروضة؟ وأظن أن وصول الحرب على مصر إلى الحالة الهيستيرية التى نشهدها الآن ناجمةعن فزع الأعداء، أيا كان رداؤهم، من انطلاقة مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى نحو إعادة ترميم الوطن العربى فى سوريا وليبيا والعراق وفلسطين، إضافة بالطبع إلى تمزيق مشروع «الشرق الأوسط الكبير» على صخرة ثورة مصر فى الثلاثين من يونيو..نعم المؤامرة مستمرة ومن يقول بعدم وجود مؤامرة، إما غافلا أو ضالعا فيها، فليس مفهوما أن ينقلب وطننا إلى دولة كافرة بوجود عدد غفير من «الآلهة» الجدد الذين يوزعون صكوك الغفران ويوزعون البشر بين الجنة والنار..أتمنى أن يكون شهداء الروضة طريقنا إلى العبور من دولة فوضى الفتاوى إلى دولة القانون واحترامه، كما كان شهداء أول ايام العبور طريقنا إلى النصر..عسى تكون دماء شهداء الروضة تتدفق فى شرايين الدولة التى تطبق بحسم الشعار الخالد…الدين لله، والوطن للجميع.