في علم العلاقات الدولية وتحليل السياسة الخارجية؛ يعد اقتراب المصلحة الوطنية أحد أهم اقترابات البحث الرئيسية في مجال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية؛ وهو ترجمة واضحة للمدرسة الواقعية التي سيطرت على تحليل ودراسة العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقامت على مفاهيم ثلاث أساسية هي: القوة، وتوازن القوى، والمصلحة الوطنية.
وعلم السياسة يٌعرف السياسة الخارجية على أنها «برنامج عمل معين تختاره الدولة من بين عدة بدائل، ترى فيه أنه يحقق أهدافها فيما يتعلق بالصعيد الخارجي مع الدول الأخرى، ومن ثم فهي متغيرة من آن لأخر، ومن نظام لأخر، وليست ثابتة حد الجمود»، وبالتالي يمكن للدولة أن تغير من سياساتها الخارجية من وقت لأخر تبعاً للظروف الداخلية والمتغيرات الخارجية.
أما اقتراب المصلحة الوطنية؛ فهو أحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها السياسة الخارجية، وعمليات إدارة وتوجيه السياسة الخارجية عادة ما يتم تبريرها في صيغ تحقيق المحافظة على المصلحة الوطنية للدولة، وهذه تعتبر الحاصل النهائي للعديد من الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والجغرافية والعسكرية والأيديولوجية والثقافية. أي أن المصلحة الوطنية هي الهدف النهائي والأسمى للسياسة الخارجية لأي دولة. فالسياسة الخارجية لأي دولة تعکس مصلحتها الوطنية.
الدولة المصرية، ومنذ تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم في 2014 أقرت برنامج عمل واضح فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، أكدت فيه على أهمية النهج التعاوني في العلاقات الدولية، حيث ارتكزت السياسة الخارجية المصرية إلى عدد من الركائز تمثلت في: عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، ورفض أي تدخل خارجي في شئونها الداخلية، و حسن الجوار، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي، إعادة الفاعلية للدور والتواجد المصري في أفريقيا، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، وتوازن العلاقات مع القوى العظمي، والتأكيد على الدور المصري المؤثر في الحالة الراهنة في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بالملف الفلسطيني الإسرائيلي والصراع الممتد.
غير أن آفة حارتنا عدم الوعي؛ فالمنابر التي تهاجم عودة العلاقات المصرية القطرية لمسارها الطبيعي، هي ذات المنابر والأصوات التي كانت تهاجم القطيعة المصرية القطرية.
حالة عدم الوعي تلك نابعة من سوء إدراك وفهم واضح لطبيعة وماهية السياسة الخارجية المتغيرة؛ إذ تتغير السياسة الخارجية للدول نتيجة لعدد من المتغيرات المحلية والدولية السائدة.
لذا؛ فإن تغير السياسة الخارجية يشير إلى أي تحولات أو تغيرات تحدث في السياسة الخارجية بصفة عامة من حيث التوجهات والأهداف والأدوار، أو التغير في القرارات أو السلوکيات، أو أولوية استخدام أدواتها، أو درجة المصلحة في قضاياها.
والقيادة المصرية منذ 2014 دائماً وأبدا ما تعلي من المصالح الوطنية المصرية في كافة القرارات والتوجهات، وللأسف بعض المنابر الإعلامية ساهمت في ترسيخ تلك الحالة وذلك الشعور الكبير بالعداء، من خلال المواقف الحادة التي اتخذتها تلك المنابر الإعلامية من هنا وهناك، على النحو الذي شكل بيئة خصبة لأذناب الجماعة المحظورة وذبابها الإلكتروني لإشعال نار القطيعة أكثر فأكثر.
نعم توترت العلاقات المصرية القطرية، ومرت بتقلبات عدة، لكن عادت قطر إلى المحيط العربي، بعد إدراك تام لصحة الموقف المصري فيما يتعلق بجماعات وتنظيمات الإسلام السياسي، وأن السياسة المصرية الخارجية تنتهج موقفاً قائماً على التنسيق والعمل المشترك مع جميع الدول العربية لمواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه الأمن العربي. بما في ذلك أمن قطر نفسها.
كما أن هذا التطور النوعي في مستوى العلاقات المصرية – القطرية –الخليجية يعضد جهود التكامل العربي في مواجهة التحديات الخارجية والواقع المأزوم للاقتصاد والأمن العالمي. فتغيرات الأوضاع الدولية والإقليمية الجارية كانت كفيلة بإذابة كافة المعوقات في مسار العلاقات المصرية القطرية، وعليه فالغاية الوطنية هي الهدف الرئيسي التي تسعى الدولة المصرية لتحقيقه، وأن الاستمرار أو التغير في السياسة الخارجية المصرية محکوم دائماً بتحقيق المصلحة الوطنية، فلا عداءُ دائم ولا ودٌ مستمر، هكذا هي السياسة.