«إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه»، مقولة مصرية خالصة حفظها المصريون عن ظهر قلب منذ القدم، في دلالة واضحة على المنصب والجاه الذي كان يتمتع به الموظف الحكومي، فحرص الأجداد والأبناء لأجيال عديدة أن تتشبع ملابسهم بتراب الميري الذي كان محملا بكل الامتيازات، ومازال حتى الآن في العديد من الوزارات والهيئات.
الموظفون في الأرض قطاعان، «عام وخاص» وغيرهما يندرج في عالم البطالة، مهما قُدر دخله أو ثقلت تركته وميراثه، وكل يحيا وفقا لمقدراته.
مع الانفتاح الذي حمله الرئيس أنور السادات إلينا ارتفع شأن القطاع الخاص لسنوات لتفوق نصاعته تراب الميري وتزداد بريقا عنه، وعرف العاملون في هذا القطاع الطريق إلى الراتب بـ الدولار وغيره من العملات، وهذا بالطبع في المؤسسات الأجنبية العاملة في البلاد، وأطلق على هذا النوع «البريمو».
وهناك نوع آخر للقطاع الخاص في بلادنا والذي أطلق عليه «الترسو» وهذا النوع غالبا ما يكون تابعا للقطاع الخاص المحلي، لكنه منزوع الدسم والامتيازات، وغالبا أصحابه فاتهم الميري وغباره ويحكمه قانون من نوع خاص – اسم على مسمى – وليس له ضوابط تحكمه سوى إرادة أصحابه.
هذا النوع الأخير أكثر المتضررين من الإصلاحات الاقتصادية، فأصحابه في ظل كساد الأسواق وارتفاع أسعار عملية الإنتاج يتعرضون لنكبات اقتصادية وخسائر تفوق إمكانياتهم، وبالتالي يتأثر الدخل بصورة كبيرة وتتأثر الرواتب بصورة أكبر، وقد يتعرض بعضهم للفصل وتأخر الراتب وغيره من الأمور التعسفية وقد تضطر بعض هذه الجهات لإعلان الإفلاس والإغلاق ما يلحق الضرر البليغ للعاملين فيها.
ضحايا هذا النوع في ربوع البلاد بالآلاف ما بين فاقد لوظيفته أو من يحيا على حد الكفاف وفي ظروف غير آدمية لتظهر مآسي وحكايات ينضب لها الجبين وتقشعر من هولها الأبدان، ويعجز جهابذة الاقتصاد في تصريف حياة هؤلاء اليومية بما يتقاضون من جنيهات هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع.
يأتي دور الدولة التي تتدخل من حين لآخر لإنقاذ موظفيها بإقرار زيادات مادية للحماية الاجتماعية وعمل توازن حتى تزيد مقاومة الفئات المستهدفة على مواجهة أعباء الحياة، في ظل هذه الظروف البالغة القسوة، وإن كان سماسرة الأسواق ينتهزون هذه الفرص لزيادة الأسعار لتلتهم الزيادة في غياب الأجهزة الرقابية.
ورغم الحد الأدنى للأجور الذي ترفعه الدولة من حين لآخر إلزاميا في القطاع الحكومي، وشبه اختياري في القطاع الخاص الذي لا يلتزم به غالبا نظرا للظروف الاقتصادية وغيرها من العوامل، فبعض هذه القطاعات يجد صعوبة في صرف الرواتب بحالتها الهزيلة، ما يجعل الزيادات مستحيلة في الوقت الذي يكون فيه الحفاظ على الرواتب الحالية وديمومتها أقرب للعمل الخارق.
ومع قرارات الحماية الاجتماعية الأخيرة التي أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي تعد التاسعة على مدار الأعوام السابقة، باتت الهوة في الرواتب بين القطاعين العام والخاص كبيرة في ظل عدم مقدرة غالبية القطاع الخاص على تطبيقها الأمر الذي يزيد حياة الملايين جحيما في ظل ارتفاع الأسعار الغير مسبوق.
الأمر الذي يجعل الدولة مطالبة بدعم القطاع الخاص أيضا فإنه يستحق تلك الحماية، فالعاملون في القطاعين الخاص والعام أبناء شعب واحد ويجب أن تقدم لهم نفس الامتيازات دون تفرقة.
باختصار.. العاملون في القطاع الخاص مصريون أيضا ويستحقون الدعم، والدولة هي المسؤول الأول عن توفير العدالة الاجتماعية للجميع، سواء ألزمت القطاع الخاص الذي يملك أو دعمت الذي لا يملك، فهذه مسؤوليتها وهذا واجبها.. المهم أن يشعر الجميع على أرض الوطن بالمساواة فمظلة الحماية يجب أن تتسع لجموع المصريين.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية