صدر مؤخرًا كتاب «أيام موشا.. حكاية قرية من صعيد مصر خلال النصف الثاني من القرن العشرين» للكاتب الصحفي منتصر سعد نجيب، مدير تحرير جريدة الوفد.
يسلط الكتاب الضوء على الحياة التراثية في قرية موشا بمحافظة أسيوط، مسجلًا مرحلة السبعينيات التي سبقت ما يُعرف بعصر الانفتاح الاقتصادي.
يصوّر المؤلف تلك الفترة بوصفها «زمن التعب والضحك»، حيث كانت القرية تعيش حياة بسيطة لكنها مليئة بالتقارب الإنساني والاجتماعي، في غياب مظاهر التكنولوجيا الحديثة.
يستعرض الكاتب تفاصيل الحياة الريفية بأسلوب سردي يجمع بين التوثيق والرؤية الأدبية، متناولًا الجوانب الزراعية، الاقتصادية، والتقاليد الشعبية، إلى جانب المناسبات والاحتفالات، والمهن والصناعات.

يعتمد الكاتب على أسلوب الوصف الدقيق لتلك المرحلة، ما ينقل القارئ لتلك الأجواء بواقعية. يبدأ الكتاب مع حدث مهم في تاريخ القرية، وهو دخول المياه النقية إلى المنازل منتصف السبعينيات، الذي أنهى مهنة السقا.
ثم يأخذنا إلى مراحل أخرى مثل دخول الكهرباء وتراجع استخدام اللمبة الجاز، وكذلك الفرن البلدي وأهميته اليومية.
ينتقل الكاتب بين المحاصيل الزراعية الرئيسية في القرية كالقطن والقمح، مستعرضًا مراحل الزراعة وكيف أثرت على شخصية سكان الصعيد.
يصف العادات المرتبطة بجني القطن واحتفالات هذه المناسبة، إضافة إلى مكافحة دودة القطن وتجربة ركوب الجمال.
كما يتطرق للأدوات المستخدمة في حصاد القمح مثل النورج والمدراة، ويرصد الأغاني الشعبية التي كانت ترافق عملية جمع المحصول..
يأخذنا الكتاب في جولة يومية بين أبرز معالم الحياة في القرية مثل سوق الماشية والسويقة والطاحونة وغيرها من مظاهر النشاط الاقتصادي البسيط.
أما في المناسبات والاحتفالات، يقدم وصفًا تفصيليًا لمظاهر الفرح الشعبي خلال الموالد مثل مولد الشيخ عبد الفتاح الموشي، والشيخ بكر، والشهيد مار بقطر شو، بالإضافة إلى مولد السيدة العذراء بجبل درنكة.
يرسم أيضًا صورًا نابضة لحياة القرية خلال المناسبات الدينية كعيد الأضحى وشهر رمضان وعيد القيامة وشم النسيم وأحد السعف.
لا يغفل الكاتب الحديث عن حياة الأسرة وتأثير الفلكلور وليالي السمر على تفاصيل الحياة اليومية.
يبرز دور المرأة الصعيدية بوصفها رمزًا للقوة والعطاء، مشيدًا بها كأم تتحمل ضغوط الحياة بابتسامة حتى في أشد لحظاتها صعوبة.
ختام الكتاب يأتي تحت عنوان «..وتغيرت موشا»، حيث يتناول الكاتب مرحلة التحولات الكبرى التي طالت القرية مع انتشار ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية وصناعة الطوب وسيطرة الميكنة والتكنولوجيا على كافة جوانب الحياة.
يبرز هذا الفصل انتهاء العصر التقليدي الذي ارتبط بطابع الحياة الريفية المتوارث منذ عهد الفراعنة.
تميزت فصول الكتاب باستخدام عناوين جذابة حملت روح المكان وأجواء الزمن الماضي، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعايش تلك اللحظات بنفسه.
وضح الكاتب منتصر سعد، أن العمل يختلف عن كتابات المستشرقين أو الباحثين الذين تناولوا موضوعات مشابهة؛ فالمؤلف هنا كان جزءًا من حياة القرية وليس مجرد مراقب خارجي، ما جعل الوصف أكثر حيوية ودقة.
ومن عناوين الفصول: موت سيد السقا وبداية عصر الفواتير الحكومية، اللمبة الجاز وشمس الليل في المنازل الريفية، الفرن البلدي وعم «زعنون» المهندس الفرعوني، الجبنة القديمة وطعم الزمن، ليالي السمر وحكايات اختفى وهجها مع ظهور الراديو، الريف والغناء انتظارًا للريح، تقاليد السبوع ومخاوف الحسد المشوهرة، والجنازات حينما يدفن الصعايدة أفراحهم.
الكتاب يقع في 296 صفحة ويتضمن 39 فصلًا بالإضافة إلى مقدمة وتمهيد يعرضان نبذة عن قرية موشا التي تعد من أكبر قرى محافظة أسيوط. صدر الكتاب عن دار غراب للنشر والتوزيع بإدارة الناشر حسن غراب وشارك في الدورة 56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.