منذ اندلاع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لم تكن المواجهات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي مجرد معارك عسكرية تخضع لمنطق الربح والخسارة التقليدي.
أثبتت التجارب أن مفهوم النصر لا يُقاس فقط بحجم القوة العسكرية، وإنما بروح المقاومة، والقدرة على إحداث تحول في موازين القوى والمعادلات السياسية.
في الحرب الأخيرة، ورغم التكلفة البشرية والمادية الباهظة التي تكبدها قطاع غزة عموماً، فإن المشهد العام يشير إلى أن المقاومة الفلسطينية نجحت في تحقيق عدة أهداف استراتيجية، منحتها تفوقاً معنوياً وسياسياً على إسرائيل.
ما يميز حماس، أنها استطاعت تحويل المعركة إلى قضية شعبية ودولية. ففي الوقت الذي راهنت فيه إسرائيل على استنزاف المقاومة وقهرها عسكرياً، نجحت في تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، وجعلت من غزة رمزاً للصمود.
استمرت في إطلاق الصواريخ والتصدي للاعتداءات العسكرية، على الرغم من الحصار المفروض عليها منذ سنوات طويلة.
لقد أظهرت المواجهات الأخيرة التي امتدت منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى سريان وقف إطلاق النار صباح اليوم 19 يناير 2025، هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث عاشت المدن الكبرى مثل تل أبيب والقدس تحت وطأة الصواريخ، مما أثار الذعر والارتباك داخل إسرائيل. لأول مرة منذ عقود، شعر الإسرائيليون أن حكومتهم عاجزة عن توفير الحماية الكاملة لهم.
كما أن اللجوء الإسرائيلي إلى القصف العنيف والمستمر على المدنيين في غزة، كشف للعالم مدى العجز الإسرائيلي في مواجهة مقاومة منظمة قادرة على التحرك بدهاء عسكري وسياسي.
نجحت حماس، في كسب تعاطف واسع على المستوى العالمي، حيث خرجت مظاهرات في العديد من دول العالم تندد بالعدوان الإسرائيلي. كما أحرجت إسرائيل أمام المجتمع الدولي، الذي بدأ في مراجعة سياساته تجاه القضية الفلسطينية، خاصة مع ظهور انتقادات واسعة للطريقة الوحشية التي تُدار بها الحرب.
أهم ما أفرزته الحرب هو التأكيد على أن القضية الفلسطينية لا تزال حية، وأن محاولات تصفيتها من خلال التطبيع أو الحصار لن تنجح. فرغم استشهاد عدد كبير من الفلسطينيين، فإن هذه التضحيات أعادت القضية إلى الواجهة، وجددت الأمل في تحقيق الحرية والاستقلال.
النصر الذي حققته حماس لا يُقاس بعدد الصواريخ أو القتلى، بل بالرسائل التي أوصلتها للعالم. المقاومة ليست خياراً عابراً، بل هي مشروع متجدد يثبت أن الشعب الفلسطيني لن يرضخ للاحتلال، وسيظل يناضل حتى ينال حقوقه كاملة.
رغم الخسائر والتضحيات، فإن إرادة المقاومة كانت أقوى من آلة الحرب الإسرائيلية. وهذا في حد ذاته انتصار يكتب في صفحات التاريخ.
باختصار.. وقف إطلاق النار يعكس حقيقة أن إسرائيل ليست في موقع السيطرة المطلقة كما تحاول الإيحاء، وأن المقاومة الفلسطينية، رغم كل التحديات، أثبتت أنها ليست مجرد خيار، بل هي السبيل الوحيد لإبقاء القضية الفلسطينية حية.
لقد انتصرت حماس، ليس فقط لأنها أجبرت إسرائيل على التراجع، بل لأنها أعادت التأكيد أن الشعب الفلسطيني قادر على صناعة النصر، مهما كانت التضحيات.
samyalez@gmail.com
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا