عندما يرتكب شخص منحرف جريمة، يمكن تفسير الأمر إلى حد ما بناءً على شخصيته وبيئته وظروفه غير السوية. لكن أن تصدر الجريمة عن شخصية تبدو متزنة وتتحدث أمام الناس في المؤتمرات، فهذا شيء غير مألوف تمامًا.
من بين القضايا التي عملت على التحقيق فيها منذ سنوات، كانت هناك قضية مستشار بإحدى السفارات تورط في تجارة الآثار وتبديل العملات. من خلال تحقيقاتي، اكتشفت أنه بدأ كمجرد صاحب محل بسيط في إحدى المناطق المصرية. لكن حياته تغيرت جذريًا بعد انخراطه في تجارة الآثار، حيث انتقل بعد ذلك إلى القاهرة وتسبب في أزمات متعددة بسبب خبثه ودهائه.
من الحوادث التي لا تزال راسخة في ذهني، تورط إعلامية تعمل بإحدى القنوات معه. ساعدته على الظهور في حلقات ضمن برنامجها، ومررت معلومات غير دقيقة للناس دون التحقق أو التدقيق اللازم. رغم أن وظيفة الإعلاميين تتطلب التثبت من صحة المعلومات قبل بثها، إلا أن انخراطها معه كلفها كثيرًا، حيث أوقفت عن العمل لعدة سنوات. كانت قد انساقت دون وعي خلف كذبه ولم تفكر بعمق في صحة ما قدمه.
هذا الرجل ألحق أضرارًا بحياة الكثيرين بسبب ولعه بالمكاسب الشخصية على حساب الآخرين. ولم يكن يعمل منفردًا؛ كان لديه شركاء متقنون للاستفادة من الثغرات القانونية، أحدهم يعمل في المجال الأمني والآخر محامٍ ذو خبرة في التحايل. الكشف عن الحقيقة مر بمراحل شاقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخص باع مبادئه ووطنه من أجل الجشع. لقد استنزف هذا التحقيق جزءاً كبيراً من طاقتي حينها، ونشرته تحت عنوان “لصوص الآثار” مع توضيح تفاصيل جوهرية فيه.
الدرس الأكبر الذي خرجت به من هذه التجربة بعد سنوات من العمل الصحفي ومواجهة المخاطر، هو أن كشف الحقيقة أحياناً يتطلب دفع أثمان باهظة. أدركت أن العالم مليء بالأشخاص الزائفين الذين يمكن أن يدمروا كل شيء من أجل تحقيق مكاسبهم الشخصية.
في كل قضية عملت عليها، كان هناك دافع أساسي يربط بين الجرائم: الطمع. هذا الطمع أصبح سرطاناً ينهش المجتمعات تدريجياً، ولا يقتصر على طبقة معينة بل يمتد ليشمل جميع الفئات التي تبرر الوصول إلى أهدافها بوسائل غير مشروعة بدلاً من السعي الشريف والاجتهاد النزيه.
ما يثير العجب في شخصية مثل هذا الشخص هو الطريقة التي خطط بها لأعماله بعناية فائقة. كان يظهر وجهًا محترمًا أمام الجميع بينما يخفي شخصية مملوءة بالفساد والانحراف. ولذلك يجب أن نكون أكثر حذراً، فلا نُخدع بالمظاهر. ليس كل ما يبدو حقيقيًا هو كذلك. هذه كانت خلاصة مسيرتي المهنية الطويلة؛ أن الصورة الظاهرة غالباً ما تكون خادعة، وأن الطمع هو العامل الرئيسي الذي يقود الجرائم التي نواجهها يومياً.