موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية ورفضها تهجير الفلسطينيين هو موقف ثابت ومتجذر في سياستها الخارجية منذ عقود.
مصر تعتبر أن الحل العادل للقضية الفلسطينية يكمن في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وليس في تهجير الفلسطينيين أو توطينهم في دول أخرى.
تصريحات ترامب بشأن نقل سكان غزة لدول الجوار تعكس مرة أخرى محاولات لتصفية القضية الفلسطينية بعيدًا عن حل جذري عادل، وهذا يعيد إلى الأذهان خططًا قديمة لتفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها.
مثل هذه الأفكار تتعارض مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومع القانون الدولي الذي يقر حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم.
مصر كانت دائمًا واضحة في رفضها أي محاولات لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة على حساب الفلسطينيين، ورفضها لمثل هذه المخططات ينبع من حرصها على استقرار المنطقة والحفاظ على الحقوق العربية.
تصريحات ترامب الأخيرة قد تكون محاولة لإحياء هذه المخططات القديمة، ولكن من الواضح أن الشعوب العربية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، لن تقبل بذلك، وستظل متمسكة بحقوقها التاريخية والقانونية.
إعمار غزة هو الشماعة التي يعلق عليها الرئيس الأمريكي مخططاته لتفريغ أرض الأنبياء من أهلها تحت زعم أنها أصبحت أرض لا يمكن العيش فيها بسبب ما تعرضت له من حرب إبادة شاملة منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى الآن، لذا فإنه يقترح إبعادهم لمدة – قد تطول – حتى ينتهي الإعمار، والهدف إنهاء القضية الفلسطينية للأبد.
إعمار غزة، قضية إنسانية وسياسية تتطلب تحركًا جادًا وتعاونًا دوليًا، عربيًا وإسلاميًا، مع التأكيد على الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني وسيادته على أرضه.
الحروب المتكررة والحصار المستمر أدى إلى دمار كبير في البنية التحتية وخلق أزمة إنسانية حادة تحتاج إلى حلول مستدامة.
التكاتف الدولي والإسلامي والعربي يجب أن يركز على النقاط التالية:
* إعادة الإعمار الشامل: يشمل ذلك إعادة بناء المنازل، المدارس، المستشفيات، وشبكات المياه والكهرباء، بما يضمن حياة كريمة للسكان.
* رفع الحصار عن غزة: الحصار الإسرائيلي المستمر يعيق جهود الإعمار والتنمية، ويجب أن يكون رفعه أولوية لتحقيق انتعاش اقتصادي في القطاع.
* تمكين الفلسطينيين: أي جهود للإعمار يجب أن تتم بتنسيق مع الفلسطينيين أنفسهم، مع ضمان الحفاظ على حقوقهم الوطنية وسيادتهم على أراضيهم.
* دعم اقتصادي وتنموي: الاستثمار في المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية طويلة الأمد يساهم في تحسين الوضع المعيشي وخلق فرص عمل لسكان غزة.
* تحرك سياسي موازٍ: لا يمكن أن ينجح الإعمار دون العمل على حل سياسي عادل وشامل ينهي الاحتلال ويضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة.
غزة وأهلها المنكوبون أولى بمليارات العرب التي تُنفق في مشروعات استهلاكية أو في دول بعيدة عن هموم وقضايا الأمة.
قطاع غزة يعاني منذ سنوات طويلة من الحصار والدمار الناتج عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وحاجته للدعم العربي والإسلامي تتجاوز الإعمار المادي لتشمل توفير حياة كريمة ومستقبل مستدام لشعبه.
الموارد العربية، إن وُجهت بشكل صحيح، يمكن أن تحدث فرقًا جذريًا في حياة الفلسطينيين عبر:
* تمويل مشاريع الإعمار: بناء المنازل والبنية التحتية المدمرة يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، والعرب قادرون على ذلك إذا توحدت الجهود.
* إنشاء صناديق دعم مستدامة: تخصيص جزء من ثروات العالم العربي لصندوق دائم لدعم الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
* دعم اقتصادي وتنموي: تطوير قطاعات الزراعة والصناعة والتعليم في غزة يمكن أن يجعلها أقل اعتمادًا على المساعدات الخارجية.
* دعم سياسي ودبلوماسي: استخدام النفوذ السياسي والاقتصادي العربي للضغط على المجتمع الدولي لإنهاء الحصار الإسرائيلي ووقف العدوان، واللجوء إلى حل الدولتين وإنهاء الصراع للأبد.
* تعزيز الوحدة العربية: قضية غزة هي قضية الأمة بأكملها، وإظهار تضامن عملي سيعكس وحدة الصف العربي والإسلامي.
باختصار.. الشعوب الإسلامية والعربية وقبلهم المصريون قيادة وشعباً لن يقبلون بتصفية القضية الفلسطينية عبر بوابة التهجير الخبيثة تحت أي مسمى، وموقف القيادة السياسية المصرية ثابت تاريخياً ولن يتغير أنه لا بديل لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
إعادة إعمار غزة مسؤولية المجتمع الدولي الذي أغمض عينيه عن تلك الحرب الإجرامية التي امتدت لشهور طويلة في واحدة من أكثر الحروب دموية وانتهاكا لكافة القوانين والأعراف الدولية في العصر الحديث.
أموال العرب يجب أن تُستثمر في نصرة القضايا الكبرى وفي دعم صمود الفلسطينيين، بدلًا من إهدارها على أمور ثانوية أو مجالات لا تخدم الأمة.. غزة تستحق أن تكون في مقدمة الأولويات.
غزة تستحق دعمًا حقيقيًا ومستدامًا، لكن الأهم هو أن يبقى حقوق سكانها في وطنهم وتقرير المصير والحياة الكريمة جزءًا أساسيًا من أي مشروع للإعمار.