شهدت السياسة الخارجية المصرية خلال السنوات الأخيرة تحركات استراتيجية لتعزيز نفوذها في القرن الأفريقي، وذلك من خلال توطيد علاقاتها مع دول مثل الصومال وجيبوتي والسودان.. وغيرها.
يأتي هذا في إطار رؤية القاهرة لتعزيز مكانتها الإقليمية وحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية، لا سيما في ظل التحديات المرتبطة بملف مياه النيل والأمن القومي.
بالتوازي مع هذا التوسع في القرن الأفريقي، كثّفت مصر جهودها لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع العراق، حيث تعمل القاهرة على استثمار الفرص المتاحة في السوق العراقية من خلال الشراكة في مشاريع البنية التحتية، وإعادة الإعمار، والتعاون في مجالات الطاقة والتجارة.
تمحورت التحركات المصرية في القرن الأفريقي حول تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، وتوسيع نطاق النفوذ الدبلوماسي عبر توقيع اتفاقيات شراكة مع دول المنطقة.
وقد شهدت الفترة الماضية زيارات متبادلة بين المسؤولين المصريين ونظرائهم في دول القرن الأفريقي، مما أسهم في تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية وتعزيز التعاون في مجالات الأمن البحري ومكافحة الإرهاب.
وفي هذا السياق، حرصت القاهرة على تعميق علاقاتها مع جيبوتي من خلال الاستثمارات في الموانئ والخدمات اللوجستية، كما وقعت اتفاقيات تعاون مع الصومال لتعزيز الأمن والاستثمار في البنية التحتية.
أما السودان، فيظل شريكًا استراتيجيًا لمصر، حيث تدعم القاهرة استقراره السياسي وتسعى لتعزيز التكامل الاقتصادي بين البلدين.
يأتي اهتمام مصر بتوسيع نطاق تعاونها الاقتصادي مع العراق ضمن استراتيجية تنويع الشراكات التجارية والاستثمارية.
وقد شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا ملحوظًا منذ توقيع اتفاقيات التعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن، والتي تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الثلاث.
ويشمل التعاون المصري-العراقي مجالات متعددة، أبرزها:
* إعادة الإعمار: تسعى الشركات المصرية للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار في العراق، لا سيما في قطاعات الإسكان والبنية التحتية.
* الطاقة: تعمل القاهرة على تعزيز التعاون في مجال النفط والغاز مع بغداد، حيث تستورد مصر النفط الخام العراقي وفق اتفاقيات تسهّل عمليات التكرير والاستهلاك المحلي.
* التبادل التجاري: ارتفعت معدلات التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، مع زيادة صادرات مصر من المنتجات الغذائية ومواد البناء إلى العراق.
* المشروعات المشتركة: تبحث الحكومتان المصرية والعراقية تنفيذ مشروعات مشتركة في مجالات النقل والصناعة والطاقة المتجددة.
تمثل التحركات المصرية في القرن الأفريقي والعراق جزءًا من رؤية أوسع لتعزيز الدور المصري في المنطقة، من خلال توسيع نطاق العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية.
كما تسعى القاهرة إلى خلق توازن في علاقاتها الخارجية، بما يحقق المصالح الاستراتيجية لمصر على المستويين الإقليمي والدولي.
من المتوقع أن يستمر التعاون بين مصر والعراق في التطور خلال الفترة المقبلة، لا سيما مع استمرار بغداد في إعادة بناء بنيتها التحتية ورغبتها في الاستفادة من الخبرات المصرية في مختلف القطاعات.
كما أن تعزيز العلاقات مع العراق يمنح مصر فرصة لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز صادراتها، مما يسهم في دعم الاقتصاد المصري.
باختصار.. يأتي التوجه المصري لتعزيز التعاون الاقتصادي مع العراق بالتوازي مع توسع نفوذها في القرن الأفريقي، وهو ما يعكس استراتيجية متكاملة تهدف إلى تعزيز مكانة مصر الإقليمية.
وبينما تواصل القاهرة تحركاتها الدبلوماسية والاقتصادية، فإنها ترسّخ دورها كلاعب رئيسي في المنطقة، قادر على تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والأمنية في آنٍ واحد.