مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واتباعه نهجًا أكثر عدوانية في السياسة الخارجية، يجد العالم نفسه أمام اختبار جديد في مواجهة ضغوط واشنطن المتزايدة.
على عكس ولايته الأولى، لم يعد العالم مستعدًا للرضوخ أو الاستسلام لسياساته المتشددة، سواء في الشرق أو الغرب.
منذ لحظة عودته، سعى ترامب إلى فرض رؤيته الصدامية على المشهد الدولي، عبر تصعيد التوترات مع الصين وروسيا، وممارسة ضغوط قصوى على حلفائه في أوروبا، فضلًا عن إعادة إحياء سياسة العقوبات الاقتصادية والتهديدات العسكرية ضد الدول التي ترفض الامتثال لرغبات واشنطن.. لكن الردود الدولية جاءت مختلفة هذه المرة، حيث لم يعد العالم كما كان في 2017.
في آسيا، لم تتراجع الصين أمام استفزازات ترامب، بل ردت بتعزيز تحالفاتها الاقتصادية والعسكرية، متجهة نحو تعميق تعاونها مع روسيا وإيران ودول البريكس.
وعلى الرغم من التهديدات الأمريكية بالحرب التجارية وفرض العقوبات، فإن بكين مضت قدمًا في استراتيجية «طريق الحرير الجديد»، ما جعل النفوذ الأمريكي في آسيا يتراجع بشكل واضح.
أما روسيا، فقد استغلت التحولات الجيوسياسية لتعزيز دورها كلاعب رئيسي في النظام الدولي، رافضة أي محاولات أمريكية لعزلها. فالعقوبات الاقتصادية لم تؤدِ إلا إلى تعزيز التعاون الروسي مع الصين وإيران، وتقوية التحالفات العسكرية في مواجهة الناتو.
وفي الشرق الأوسط، وقفت مصر والأردن بشدة في مواجهة مقترحات الرئيس الأمريكي، لتهجير أهالي غزة إلى الدولتين لمدد غير معلومة، وأعلنت القاهرة موقفها النهائي والرافض للتهجير تحت أي مسمى مؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر ستتصدى بكل قوة لمخططات إنهاء القضية الفلسطينية ولن تتوانى في مناصرة الأشقاء في مواجهة الهجمات اليهودية الأمريكية.
في الغرب، لم تعد أوروبا مستعدة للخضوع لإملاءات ترامب، خاصة بعدما أضرّت سياساته بالاقتصاد الأوروبي في ولايته الأولى. تحرك الاتحاد الأوروبي نحو تقليل اعتماده على واشنطن، وتعزيز استقلاله العسكري والاقتصادي، مما جعل محاولات ترامب لفرض إرادته تقابل بمقاومة دبلوماسية واقتصادية متزايدة.
حتى في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، لم يعد النفوذ الأمريكي بلا منازع، حيث اتجهت العديد من الدول نحو الصين وروسيا للحصول على الدعم الاقتصادي والعسكري، ما أدى إلى تقليل تأثير العقوبات الأمريكية على هذه المناطق.
على الرغم من أن ترامب يراهن على سياسة «الضغط الأقصى»، إلا أن الواقع الدولي الجديد لم يعد يسمح لواشنطن بفرض هيمنتها كما في السابق. فالنظام العالمي بات متعدد الأقطاب، والدول الكبرى أصبحت تمتلك بدائل اقتصادية وعسكرية تجعلها قادرة على مقاومة الضغوط الأمريكية.
منذ خروجه من البيت الأبيض بعد انتهاء ولايته الأولى، شهد العالم تحولات كبرى، جعلت من الصعب على واشنطن استعادة نفوذها السابق بنفس السهولة.
أبرز هذه التحولات:
* صعود قوى دولية جديدة: عززت الصين وروسيا تحالفاتهما لمواجهة النفوذ الأمريكي، بينما تمكنت دول مثل الهند والبرازيل من تعزيز استقلالها السياسي والاقتصادي.
* تقارب الشرق الأوسط بعيدًا عن الإملاءات الأمريكية: شهدت العلاقات الخليجية-الإيرانية تحسنًا بوساطة صينية، كما انفتحت السعودية على قوى مثل روسيا والصين، بعيدًا عن النهج الأمريكي التقليدي.
* أوروبا تبحث عن استقلالها الاستراتيجي: بعد تجربة ترامب، بات الاتحاد الأوروبي أكثر ميلًا إلى بناء سياسات مستقلة، سواء في الطاقة أو الأمن أو الاقتصاد.
* ضعف الهيمنة الاقتصادية الأمريكية: بدأت الدول في البحث عن بدائل للدولار في التجارة العالمية، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للنفوذ الأمريكي.
الرد الدولي على سياسات ترامب سابقًا كان رفضًا جزئيًا، أما اليوم، فالدول باتت أكثر استعدادًا لمواجهة أي محاولات لفرض الإملاءات الأمريكية. ولذلك، فإن عودته لن تعني بالضرورة عودة النفوذ الأمريكي كما كان، بل قد تدفع العالم إلى مزيد من الاستقلالية، وتسريع الانتقال إلى نظام دولي متعدد الأقطاب.
باختصار.. عودة ترامب إلى البيت الأبيض لم تعنِ عودة الهيمنة الأمريكية المطلقة، بل أظهرت عالمًا أكثر استعدادًا لمواجهة السياسات العدوانية، ورفض الرضوخ والاستسلام، سواء في الشرق أو الغرب.. هذه المرة، يبدو أن العالم مستعد للرد، ولن يكون مستعدًا للرضوخ مجددًا.
ترامب سيجد عالمًا أقل تقبلًا لسياساته، وأكثر مقاومة لأي محاولات لفرض الهيمنة الأمريكية. فالدول الكبرى باتت تملك خططًا بديلة، والتحالفات الجديدة قد تحد من تأثير العقوبات الأمريكية، ما يجعل سياسة «الضغوط القصوى» أقل فاعلية مما كانت عليه في السابق.