مع إعلان الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه، كجزء من خططها لتعزيز الحماية الاجتماعية، ارتفعت الأصوات المطالبة بزيادة المعاشات، إذ يعاني ملايين المتقاعدين من تدني مستوى المعيشة في ظل ارتفاع الأسعار المستمر.
لا شك أن رفع الحد الأدنى للأجور خطوة إيجابية تخفف من معاناة الموظفين، لكنها في الوقت ذاته تطرح تساؤلات حول أوضاع أصحاب المعاشات، الذين أفنوا حياتهم في خدمة الدولة، ليجدوا أنفسهم اليوم في مواجهة أعباء اقتصادية لا ترحم، ومعاشات لا تتناسب مع تكاليف المعيشة.
هل يستحق أصحاب المعاشات الزيادة؟ بالطبع، فهم الفئة الأكثر تأثرًا بالتضخم، خاصة مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية والأدوية والخدمات الطبية.
ورغم الزيادات التي أقرتها الدولة خلال السنوات الماضية، إلا أن الفجوة بين قيمة المعاشات ومتطلبات الحياة ما زالت تتسع.
أصبحت زيادة المعاشات مطلبًا شعبيًا ملحًا، ليس فقط لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن لضمان حياة كريمة لكبار السن وأسرهم.
فكما تهتم الدولة برفع دخول الموظفين، فإن العدالة تقتضي أن تشمل هذه الزيادات أصحاب المعاشات، خاصة أن معظمهم يعتمدون كليًا على المعاش كمصدر دخل وحيد.
وفقًا لبيانات وزارة التضامن الاجتماعي حتى فبراير 2023، يبلغ عدد أصحاب المعاشات والمستفيدين منهم حوالي 10,885,757 مواطنًا.
شهدت قيمة المعاشات تطورات ملحوظة خلال السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، في عام 2014، كان الحد الأدنى للمعاش 450 جنيهًا، بينما بلغ الحد الأقصى 2,082 جنيهًا. وفي عام 2016، ارتفع الحد الأدنى إلى 500 جنيه، والأقصى إلى 2,680 جنيهًا.
اعتبارًا من 1 يناير 2025، سيتم رفع الحد الأدنى للمعاشات للمستحقين الذين تنتهي خدمتهم بعد هذا التاريخ ليصبح 1,495 جنيهًا بدلاً من 1,300 جنيه، كما سيتم رفع الحد الأقصى للمعاش ليصل إلى 11,600 جنيه بدلاً من 10,080 جنيه.
بالرغم من هذه الزيادات، يواجه أصحاب المعاشات تحديات كبيرة في تلبية احتياجاتهم الأساسية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. تشمل هذه التحديات:
- ارتفاع أسعار السلع الأساسية: يشكل التضخم المستمر عبئًا إضافيًا على المتقاعدين، حيث تتزايد أسعار المواد الغذائية والسلع الضرورية بشكل يؤثر على قدرتهم الشرائية.
- تكاليف الرعاية الصحية والأدوية: مع تقدم العمر، تزداد الحاجة إلى الرعاية الطبية والأدوية، مما يضيف أعباء مالية إضافية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الخدمات الطبية والأدوية.
- المصاريف المعيشية اليومية: تشمل فواتير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والغاز، والتي شهدت زيادات ملحوظة في السنوات الأخيرة.
في ظل هذه التحديات، تتزايد المطالب الشعبية بضرورة زيادة المعاشات بما يتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة، لضمان حياة كريمة لأصحاب المعاشات وتمكينهم من تلبية احتياجاتهم الأساسية دون معاناة. وفي هذا السياق، المطلوب فورًا من الدولة:
زيادة عاجلة للمعاشات تتناسب مع التضخم
رفع الحد الأدنى للمعاشات ليواكب الحد الأدنى للأجور، خاصة بعد زيادته إلى 7,000 جنيه.
تطبيق زيادات دورية تتماشى مع معدلات التضخم، بحيث لا تقل الزيادة السنوية عن نسبة معينة تعوض ارتفاع الأسعار.
توفير دعم إضافي للمعاشات المنخفضة
تقديم منح استثنائية أو زيادات إضافية لأصحاب المعاشات الذين يحصلون على مبالغ منخفضة، لضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
زيادة الدعم على بطاقات التموين، وإتاحة سلع أساسية بأسعار مدعومة للمتقاعدين.
تحسين الخدمات الصحية والتأمين الطبي
توفير رعاية طبية مجانية أو بأسعار مخفضة لكبار السن، خاصة في المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية.
زيادة دعم أسعار الأدوية، وتقديم خصومات خاصة لأصحاب المعاشات، مع توفير برامج تأمين صحي أكثر شمولًا.
تخفيف أعباء فواتير الخدمات الأساسية
تقديم خصومات أو دعم على فواتير الكهرباء والمياه والغاز لأصحاب المعاشات.
إعفاء الفئات الأكثر احتياجًا من بعض الرسوم الحكومية أو تخفيضها.
توفير فرص عمل أو مصادر دخل إضافية
إتاحة فرص عمل مرنة للمتقاعدين القادرين على العمل، في وظائف تناسب خبراتهم وأعمارهم.
دعم مشروعات صغيرة لأصحاب المعاشات من خلال قروض ميسرة أو دعم حكومي.
سرعة صرف المتأخرات والمستحقات المالية
حل المشكلات المتعلقة بصرف العلاوات الخمس والمتأخرات المالية لأصحاب المعاشات.
تسهيل إجراءات الحصول على مستحقات التأمينات والمعاشات دون تعقيدات بيروقراطية.
إنشاء هيئة مستقلة لرعاية شؤون أصحاب المعاشات
تشكيل لجنة حكومية دائمة أو هيئة مستقلة تعمل على تحسين أوضاع أصحاب المعاشات وتقديم حلول مستدامة لمشكلاتهم.
إشراك ممثلين عن أصحاب المعاشات في مناقشة سياسات التأمينات الاجتماعية لضمان تلبية احتياجاتهم.
باختصار.. أصحاب المعاشات ليسوا عبئًا على الدولة، بل هم مواطنون خدموا الوطن لسنوات طويلة، ويستحقون حياة كريمة بعد التقاعد. لذلك، فإن أي تأخير في تحسين أوضاعهم سيزيد من معاناتهم، بينما الاستجابة السريعة لمطالبهم ستعزز العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي.
الاستجابة لمطالب أصحاب المعاشات ليست ترفًا، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية. فكما تسعى الدولة لتحسين أوضاع العاملين، فإن الوفاء بحقوق المتقاعدين هو معيار حقيقي للعدالة الاجتماعية، وهو ما يتطلب تحركًا سريعًا لإقرار زيادة عادلة للمعاشات تضمن حياة كريمة لمن خدموا الوطن لعقود.