أحسن الملك المغربي صنعاً عندما وجه نداءً لشعبه بالتوقف عن ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى المبارك، في ظل الظروف المناخية والاقتصادية الصعبة والجفاف، مما أدى إلى انخفاض كبير في أعداد الماشية. هذه الخطوة جاءت بهدف حماية شرائح كبيرة من المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود، كما جاء في البيان الملكي.
في سياق متصل، شهدت البلاد دعوات شعبية لمقاطعة بعض السلع الأساسية خلال شهر رمضان المبارك بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار وعجز الحكومة عن كبح جماح هذا الانفلات. التحرك الذي بدأ من الملك وما تبعه من تجاوب شعبي يشكل خطوة إيجابية لحماية محدودي الدخل؛ ففي الأولى حماية للثروة الحيوانية التي تحتاج إلى وقت للتعافي، وفي الثانية محاولة لكبح احتكار التجار الذين استغلوا الوضع لتحقيق أرباح طائلة، وهو نفس الواقع الذي يواجهه المواطنون في دول أخرى كجارتهم مصر.
رمضان، الذي يفترض أن يكون شهر الرحمة والتقرب إلى الله، بات شهراً للضغط الاقتصادي على المواطنين، حيث يستغل البعض هذا الموسم لزيادة الأسعار بشكل مبالغ فيه دون حسيب أو رقيب، متجاهلين تماماً القيم الحقيقية لهذا الشهر التي تدعو إلى التراحم والتكاتف. المؤسف أن الحكومات تقف عاجزة أمام هذه الممارسات، متذرعة بمبدأ السوق الحر وقوانين العرض والطلب، وترفض التدخل بوضع حد أقصى للأرباح.
حتى في مصر، على الرغم من الامتيازات الكبيرة التي تقدمها الحكومة للمستثمرين والتجار، إلا أن ذلك لم ينجح في تقليل وطأة غلاء الأسعار. بل تحولت هذه الامتيازات في النهاية إلى عناصر تُضاف إلى تكلفة السلع، مما زاد الضغط على البسطاء. معارض «أهلاً رمضان» التي تعتبر فرصة لتقديم السلع بأسعار منخفضة تحولت بدورها إلى مظاهر استغلال على الأرصفة، حيث تُباع سلع بأسعار أعلى من تلك المتوفرة في المتاجر القريبة.
الشهر الكريم أصبح فرصة لبعض التجار لجني الأرباح على حساب المواطنين، في ظل غياب كامل لدور الأجهزة الرقابية وعدم وجود قوانين صارمة تنظم الأسواق. الحكومات بدورها تبدو منشغلة بإصدار قوانين لتحصيل الأموال من المواطنين مقابل خدمات هي من حقهم أساساً، متجاهلة وضع حد للممارسات الاحتكارية ومعاقبة المحتكرين بعقوبات رادعة. حتى الهيئات المكلفة بمكافحة الاحتكار أصبحت شبه عديمة القيمة، نتيجة ضعف صلاحياتها وهشاشة العقوبات المفروضة على المخالفين.
الملك المغربي ضرب مثالاً مشرفاً في اهتمامه بشعبه ومصلحة الفئات الأكثر تضرراً. نتمنى أن تُكلل دعوته بالنجاح وأن تتحقق المقاطعة الشعبية للسلع المحتكرة. كما نأمل أن تتعلم بقية الدول من هذا النموذج وأن تسارع بتحرك جاد لتنظيم الأسواق، وضع قوانين واضحة تحدد نسب الأرباح وتفرض عقوبات صارمة على المتلاعبين بأقوات الشعوب. هذه الخطوات أصبحت ضرورة ملحة لضمان العدالة الاجتماعية وحماية الفئات الأكثر ضعفاً من الجشع غير المبرر.