منذ اندلاع الصراع العربي-الإسرائيلي، كُتب على مصر أن تتحمل مسؤولية الدفاع عن العروبة واستقرار الشرق الأوسط. ورغم التحديات والمخاطر، أثبتت القاهرة أنها قادرة على قيادة الصف العربي في أكثر اللحظات المصيرية، لتؤكد مجددًا أنها حجر الزاوية في معادلة الأمن القومي العربي.
لم تكن القمة العربية الأخيرة التي أقيمت في القاهرة أمس، مجرد لقاء دبلوماسي عابر، بل كانت اختبارًا حقيقيًا لمواقف الدول العربية، حيث أظهرت مصر قدرة فائقة على مواجهة الضغوط الدولية، وتحدي محاولات الالتفاف على حقوق الفلسطينيين.
وبينما اتخذت بعض الدول العربية مواقف متباينة، تصدّت القاهرة لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، واستطاعت فرض رؤية واضحة تقوم على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ووقف العدوان الإسرائيلي، وإعادة القضية إلى واجهة الاهتمام الدولي.
لم يكن مفاجئًا أن ترفض الولايات المتحدة وإسرائيل مخرجات القمة، حيث حاولت واشنطن منذ البداية فرض أجندتها الخاصة على المنطقة، متجاهلة المطالب العادلة للشعوب العربية.
أما إسرائيل، فكانت تأمل في تمرير رؤيتها التي تسعى إلى فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، لكنها اصطدمت بجدار الموقف المصري الصلب.
ورغم تباين مواقف بعض القادة العرب، إلا أن الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج التفت حول الدور المصري، وأيّدت الموقف القوي الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي لم يكتفِ بالكلمات، بل تحرّك دبلوماسيًا وعسكريًا لضمان حماية الأمن القومي العربي، ووقف أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية.
وبعد النجاح السياسي للقمة، بات مطلوبًا الآن الانتقال إلى الخطوة التالية، وهي إعادة إعمار غزة، حيث تستعد القاهرة لعقد مؤتمر دولي الشهر المقبل لحشد الدعم المالي والسياسي لإعادة بناء القطاع المنكوب.
وهنا، لا بد أن يكون هناك تكتل عربي كامل خلف هذا المؤتمر، لضمان نجاحه في توفير الموارد اللازمة، وإرسال رسالة واضحة بأن الدول العربية لن تتخلى عن الشعب الفلسطيني في محنته، بل ستعمل على إعادة الحياة إلى غزة، رغم كل التحديات والعراقيل التي تحاول قوى دولية وإقليمية وضعها أمام هذا المسار.
باختصار.. نجحت مصر بجدارة في إدارة هذه القمة، بينما سقط آخرون في حسابات المصالح الضيقة أو الضغوط الخارجية.
وكما كان قدر القاهرة دائمًا، فهي تتحمل المسؤولية في أحلك اللحظات، وتبقى المدافع الأول عن قضايا الأمة، مهما كان الثمن.