منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه، وهو يصدر بشكل يومي سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تهدف إلى إلغاء العديد من السياسات والقرارات السابقة.
ومن بين هذه الخطوات، جاء قراره المتعلق بهيئة المعونة الأمريكية، حيث وضعها تحت رقابة صارمة وإجراءات حوكمة جديدة عبر إشراف صديقه إيلون ماسك، وذلك لإجراء مراجعة شاملة لما قامت به هذه الهيئة على مدار العقود الماضية.
هيئة المعونة الأمريكية هي جهة حكومية تابعة لوزارة الخارجية، أنشئت لتقديم مساعدات للدول الحليفة في مجالات متعددة، منها الإنسانية والتعليمية والعلمية. تاريخياً، كانت الهيئة تقدم منحاً تعليمية وأموالاً لإنشاء مدارس ودعم مشاريع تنموية، مثل المدارس التجريبية التي عُرفت لاحقاً بـ«المدارس الرسمية» بعد توقف التمويل وتحوله إلى دعم التعليم الفني.
كما مولت الهيئة منظمات المجتمع المدني محلياً ودولياً وإقليمياً. ولكن مع مرور الوقت، انتشرت اتهامات بأن الهيئة تحولت من أداة لدعم المجتمعات إلى منصة للفساد في أماكن تدخلها.
في الفترة التي سبقت أحداث ثورة 25 يناير في مصر، ظهرت بوضوح اتهامات تتعلق بسوء إدارة الهيئة وتركز الأموال في أيدي فئات محددة فقط. كان التمويل محصوراً على أشخاص بعينهم من خلال قنوات مغلقة، وحتى الميزانية المخصصة لتمويل المجتمع المدني استُنزِفَت بشكل كبير على رواتب وبدلات موظفي الهيئة بدلاً من دعم المستفيدين الفعليين. كما أثيرت انتقادات حول إنفاق مخصصات المعونة على مشاريع لم تحقق أي تأثير تنموي حقيقي.
أما على مستوى التعاون مع الحكومات، فقد كانت الأموال تُعامَل كأنها هبات أو جوائز للمسؤولين عن تنفيذ المشاريع. على سبيل المثال، مشروع تحسين صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الذي وُجِّهت أمواله لإنشاء صحف وقنوات إعلامية في بعض الدول العربية، انتهى بإغلاق معظم هذه الوسائل الإعلامية باستثناء عدد قليل جداً منها.
إذا نظرنا إلى الواقع، فإن هيئة المعونة الأمريكية لم تنجح بشكل فعّال في تحقيق الأهداف الإنسانية التي وضعتها عند تأسيسها. بدلاً من ذلك، تم استخدام مواردها كأداة للنفوذ السياسي والاقتصادي، مع غياب واضح للأثر الإيجابي طويل الأمد.
قرار ترامب بمراجعة أنشطة وأموال هيئة المعونة، وتحديداً التحقيق في كيفية إنفاقها دون تحقيق أي تأثير تنموي أو سياسي ملموس، يشير إلى احتمال كشف حقائق قد تصل إلى مستوى فضائح مالية كبرى.
ومع وجود جهات تعرقل عمل إيلون ماسك المسؤول عن هذا الملف وإمكانية اللجوء إلى المحاكم، يمكن أن تكون القضية محوراً لنقاش واسع قريباً. إذا نُشرت نتائج هذه التحقيقات وظهرت التأكيدات حول الفساد المزعوم، فإن قرار ترامب بإغلاق الهيئة قد يُعتبر خطوة منطقية ومبررة.