القول «القط يحب خناقه» هو مثل شعبي وجد فيه علماء النفس تفسيرًا يعكس ظاهرة نفسية معروفة اصطلاحًا بـ«متلازمة الخوف»، وهي حالة تصيب الشخص الذي يشاهد أحد الأشخاص المعتدين يمارس القهر أو العنف ضد آخر.
في هذه الحالة، قد يتصرف البعض بطريقة تجعلهم يظهرون الولاء للمعتدي بدلاً من التضامن مع الضحية، رغبةً منهم في تجنب الأذى أو السقوط تحت طائلة الخطر.
هذه الظاهرة النفسية يمكن أن تفسر تصرفات بعض الأفراد الذي يميلون إلى الانحياز للطغاة والتماهي معهم رغم فظائعهم، حتى تصل حالهم إلى التضامن مع المعتدي والرضوخ لمطالبه، وبهذا يتحول الشخص الخائف إلى ضحية تفقد السيطرة، بل وقد تأخذ أفعاله منحى يشابه المعتدي نفسه.
الحديث هنا يذهب لتحليل أعمق عن تأثير هذا الانحياز السلبي، خاصةً في ظل اللحظات الحرجة والمعارك الكبرى مثل معركة التحرير. فمن يخون الصف أو يشيّع الفتنة بين الناس في مثل هذه الظروف، يكون قد أطلق النار على وحدة الشعب وخدم مصالح العدو مباشرة أو بشكل غير مباشر.
جذور هذه الحالة تعود إلى انعدام الحس بالتضامن والرحمة، واختيار الأنانية والخوف طريقًا للنجاة الفردية على حساب المصلحة الجماعية.
في مثل هذه المواقف، لا يكون خروج هؤلاء عن الصف إلا إضافة للفتنة وزيادة للشقاق بين الناس، غير مدركين أن التاريخ يثبت مرارًا أن الخلافات الداخلية يجب أن تُؤجل لنهاية المعركة مع العدو المشترك.
إشعال الفتن أثناء النضال الجماعي يُعد صورة من صور الخيانة، وكثيرًا ما يأتي على لسان الزاهدين والحكماء قول لن يزول عبر الزمن: «لعن الله من أيقظ نار الفتنة، والذين يحمونها أو يزيدون نيرانها».
هؤلاء الأشخاص يسيرون بنهجهم عكس مصلحة شعبهم وكرامته ليصبحوا أدوات للخنوع والاستسلام.
وقد عبّر المتنبي عن طبيعة هؤلاء بأبياته الشهيرة: «وما انتفاع أخي الدنيا بناظره.. إذا استوت عنده الأنوار والظلم».